الثلاثاء 24 يونيو 2025

5 أسباب قد تجعل التربية اللطيفة غير فعالة مع بعض الآباء

موقع أيام تريندز

في السنوات الأخيرة، أصبحت التربية اللطيفة (أو "التربية الإيجابية") منهجًا شائعًا بين الآباء والأمهات حول العالم، وارتفعت الأصوات الداعية إلى استبدال أساليب التربية التقليدية المعتمدة على العقاپ والصړاخ بأساليب أكثر احترامًا وتعاطفًا مع الطفل. وتستند التربية اللطيفة إلى مبادئ التواصل الفعّال، والاحترام المتبادل، وفهم مشاعر الطفل واحتياجاته، وتجنب العقوبات القاسېة أو التهديدات.

ورغم أن هذا النهج يبدو مثاليًا، بل وحتى ضروريًا في بعض المراحل العمرية، إلا أن الكثير من الآباء يعبّرون عن إحباطهم من عدم فاعلية التربية اللطيفة في تحقيق السلوك المطلوب، أو ضبط تصرفات أطفالهم، أو حتى إدارة الفوضى اليومية في البيت. فما الأسباب التي تجعل هذا الأسلوب غير ناجح أو غير ملائم لبعض الأسر؟ وهل الخلل في الأسلوب نفسه، أم في طريقة تطبيقه؟

في هذا المقال نستعرض 5 أسباب رئيسية قد تؤدي إلى فشل التربية اللطيفة أو محدودية أثرها عند بعض الآباء، مع التطرق إلى الحلول الممكنة.

1. سوء فهم مفهوم التربية اللطيفة

يُعدّ واحدًا من أكثر الأسباب شيوعًا لفشل هذا الأسلوب هو سوء فهم جوهره. يعتقد بعض الآباء أن التربية اللطيفة تعني التساهل المفرط، أو تجنّب قول "لا" للطفل، أو إلغاء الحدود تمامًا. وبهذا تتحول العلاقة إلى علاقة غير متوازنة، حيث يعتقد الطفل أنه صاحب القرار الأول والأخير، مما يؤدي إلى تصرفات غير منضبطة.

الحل: التربية اللطيفة لا تعني غياب الحدود، بل تعني فرضها بشكل غير عڼيف ومحترم. من المهم أن يُدرك الأهل أن الحزم لا يتناقض مع اللين، وأن الأطفال يحتاجون إلى قواعد واضحة لكي يشعروا بالأمان.

2. غياب الدعم العاطفي للآباء

تطبيق التربية اللطيفة يتطلب طاقة نفسية كبيرة، وقدرة على ضبط النفس والتواصل المستمر، وهو أمر صعب على آباء يعانون من ضغوط نفسية، إرهاق، أو اكتئاب. في هذه الحالات، لا تكون المشكلة في النظرية، بل في القدرة العملية على تنفيذها في ظل استنزاف داخلي مستمر.

الحل: يجب الاعتراف بأن الأهل بشړ، وأن الرعاية الذاتية جزء لا يتجزأ من التربية السليمة. لا يمكن للأب أو الأم أن يمنح طفله الحب والتفهم إذا كان هو نفسه يعيش في حالة من الإنهاك أو القلق المزمن. الدعم النفسي، وطلب المساعدة، وتخصيص وقت للراحة ليست رفاهية، بل ضرورة.

3. اختلاف الطباع بين الطفل والأهل

قد يكون الطفل عنيدًا بطبيعته، أو مفرط النشاط، أو سريع الانفعال، بينما يكون أحد الوالدين أكثر حساسية أو ميالًا للصمت وتجنب المواجهة. هذا التباين بين أنماط الشخصية يجعل تطبيق التربية اللطيفة تحديًا كبيرًا، إذ إن ما يصلح لطفل هادئ ومنصاع، قد لا ينفع مع طفل كثير المقاومة.

الحل: من المهم أن يتعلم الأهل فهم شخصية الطفل، والتكيف مع احتياجاته الفريدة. لا توجد وصفة واحدة للتربية تناسب الجميع. فالتربية الفعالة تستند إلى المرونة والتخصيص، وليس فقط إلى المبادئ العامة.

4. غياب المهارات التربوية لدى الوالدين

بعض الآباء يعتنقون فكرة التربية اللطيفة من منطلق نظري، لكنهم يفتقرون إلى الأدوات العملية للتعامل مع نوبات الڠضب، أو رفض الأوامر، أو العناد المتكرر. وهنا يتحول الموقف من محاولة للتفاهم، إلى دائرة مفرغة من التكرار دون نتائج.

الحل: يجب الاستثمار في التدريب والتثقيف التربوي. هناك كتب، دورات، ومصادر رقمية متاحة توضح كيفية تطبيق التربية الإيجابية في مواقف الحياة اليومية. كما أن الانضمام إلى مجموعات دعم الأهل يمكن أن يساعد في تبادل الخبرات وتعلم استراتيجيات فعالة.

5. تأثير النمط التربوي السابق

لا يمكن إغفال الأثر العميق لأسلوب التربية الذي نشأ عليه الآباء أنفسهم. من تربّى في بيئة صارمة، قائمة على العقاپ الجسدي أو العاطفي، قد يجد صعوبة في تبني أسلوب مختلف تمامًا. فالردود الانفعالية قد تنبع من تجارب الطفولة، لا من قناعة عقلية.

الحل: يحتاج الأهل إلى وعي ذاتي عميق والقدرة على التحرر من أنماط التربية السامة التي عاشوها. لا عيب في طلب المساعدة من مختص نفسي أو تربوي لتفكيك هذه الموروثات الداخلية، وفتح المجال لنمط جديد من العلاقات الأسرية.

خاتمة: التربية اللطيفة ليست دائمًا سهلة... لكنها ممكنة

ليست التربية اللطيفة طريقًا سحريًا نحو طفل مثالي، ولا هي وصفة بسيطة يمكن تطبيقها دون جهد. هي اختيار يومي وشاق، يتطلب وعيًا، صبرًا، وفهمًا عميقًا للنفس قبل الطفل. لذلك، من الطبيعي أن يواجه بعض الآباء صعوبة في ممارستها، أو حتى يشعروا بالإحباط منها في البداية.

لكن بدلًا من التخلي عنها، ينبغي إعادة تقييم التطبيق، وتصحيح المفاهيم، وطلب الدعم عند الحاجة. فالأمر لا يتعلق فقط بتعديل سلوك الطفل، بل ببناء علاقة متينة قائمة على الاحترام، الحب، والانتماء.

في نهاية المطاف، التربية اللطيفة ليست ضعيفة كما يظن البعض، بل هي تربية قوية تستند إلى الوعي، الرحمة، والحزم الذكي. وقد لا تكون سهلة دائمًا، لكنها تستحق المحاولة.