الثلاثاء 24 يونيو 2025

الاقتصاد الأخضر: فرص وتحديات التحول نحو اقتصاد مستدام

موقع أيام تريندز

الاقتصاد الأخضر: فرص وتحديات التحول نحو اقتصاد مستدام

مع تسارع الأزمات البيئية وتفاقم آثار التغير المناخي، بات من الضروري أن تعيد الدول والمنظمات الاقتصادية النظر في أنماط الإنتاج والاستهلاك المعتمدة. ويبرز في هذا السياق الاقتصاد الأخضر كمسار جديد للتنمية، يهدف إلى الجمع بين النمو الاقتصادي من جهة، والحفاظ على البيئة من جهة أخرى. هذا النموذج يسعى إلى تقليل الانبعاثات الضارة، وتحقيق كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

وفيما يلي عرض لأهم ركائز هذا الاقتصاد من خلال خمس زوايا رئيسية تُمثل محاورًا مركزية للتحول المستدام.

1. الاقتصاد الدائري: إطار مغلق لاستخدام الموارد بكفاءة

يعتمد الاقتصاد الدائري على مبدأ إعادة التدوير وإطالة عمر المنتجات، مما يقلل من الهدر ويُحسن استغلال الموارد. بخلاف النموذج التقليدي الذي يقوم على "الإنتاج ثم الاستهلاك فالإتلاف"، يسعى هذا النموذج إلى إعادة دمج النفايات في دورة الإنتاج، عبر التدوير أو الإصلاح أو إعادة الاستخدام.

وإلى جانب فوائده البيئية، فإن الاقتصاد الدائري يوفر فرصًا اقتصادية جديدة، خصوصًا في مجالات مثل صناعات إعادة التدوير والتقنيات النظيفة. ورغم أن تبني هذا النموذج لا يزال في مراحله الأولى في عدد من الدول العربية، إلا أن هناك جهودًا ناشئة، لا سيما في الخليج، لجعل الاقتصاد الدائري جزءًا من السياسات البيئية والاقتصادية.

2. الاستثمار الأخضر: تحويل رأس المال إلى أداة للاستدامة

في ظل تحولات السوق العالمية، بدأت الاستثمارات تتجه نحو مشاريع تُراعي البُعد البيئي وتتبنى معايير الاستدامة، فيما يعرف بـ"الاستثمار الأخضر". هذا التوجه يشمل مجالات مثل الطاقة المتجددة، والزراعة العضوية، والمباني المستدامة، والتقنيات البيئية.

أصبح المستثمرون، أفرادًا ومؤسسات، أكثر وعيًا بالتحديات المناخية، مما دفعهم للبحث عن عوائد طويلة الأمد لا تقتصر على الأرباح، بل تشمل أيضًا الأثر البيئي والاجتماعي. كما ساهم ظهور أدوات تمويل جديدة كـ"السندات الخضراء" و"الصناديق البيئية" في دعم هذا التحول، وتوسيع قاعدة المشاركين فيه.

3. الوظائف الخضراء: ملامح سوق عمل جديد

أحد أهم الآثار الإيجابية للاقتصاد الأخضر يتمثل في إعادة تشكيل سوق العمل، من خلال ما يُعرف بـ"الوظائف الخضراء". هذه الوظائف تشمل كل مهنة تسهم في الحفاظ على البيئة أو استعادتها، مثل وظائف الطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وإدارة النفايات، والبناء الأخضر.

تُشير التقديرات إلى أن التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون قادر على توليد ملايين الوظائف الجديدة خلال السنوات القادمة. إلا أن نجاح هذا التحول يتوقف على مدى قدرة أنظمة التعليم والتدريب المهني على تهيئة الكفاءات البشرية، وتأهيلها للمهارات المطلوبة في هذا السوق المستجد.

4. من باريس إلى الواقع: الاتفاقيات الدولية كإطار للتحول البيئي

يمثل اتفاق باريس للمناخ نقطة تحول مهمة في مسار العمل البيئي العالمي، إذ التزمت الدول بخفض درجات حرارة الأرض وتعزيز التحول نحو الطاقات النظيفة. إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الالتزامات إلى سياسات وطنية فعالة.

في عدد من الدول المتقدمة، تم اعتماد خطط واضحة لتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستثمار في الطاقة النظيفة. أما في دول الجنوب، فلا تزال العقبات قائمة، منها محدودية التمويل، وضعف القدرات التقنية، وضغوط الأولويات الاقتصادية.

ولضمان ترجمة هذه الاتفاقيات إلى نتائج ملموسة، لا بد من تكامل الجهود المحلية مع الدعم الدولي، وتحقيق التوازن بين الأهداف البيئية ومتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

5. العدالة البيئية: نحو تحول لا يُقصي أحدًا

يمثل مفهوم العدالة البيئية أحد الركائز الأخلاقية للاقتصاد الأخضر، إذ لا يقتصر الهدف على حماية البيئة فحسب، بل يمتد ليشمل توزيع المنافع والمخاطر البيئية بشكل عادل بين جميع فئات المجتمع.

غالبًا ما تكون المجتمعات الأفقر والأضعف هي الأكثر تضررًا من الأزمات البيئية، والأقل استفادة من حلولها. لذلك، فإن ضمان مشاركة الجميع في ثمار التحول نحو الاقتصاد الأخضر يتطلب سياسات شاملة تُراعي البُعد الاجتماعي، وتدعم الفئات المهمّشة، وتوفّر الفرص للجميع دون تمييز.

خاتمة

إن الاقتصاد الأخضر يمثل نموذجًا بديلًا للمستقبل الاقتصادي، يُعيد التوازن بين الإنسان والبيئة، ويعزز من فرص النمو دون أن يكون ذلك على حساب الكوكب. وعلى الرغم من التحديات التي تعترض هذا المسار، فإن التحولات العالمية الحالية، والابتكارات التكنولوجية المتسارعة، والوعي المجتمعي المتنامي، كلها عوامل تُعزز من فرص نجاح هذا النموذج.

لكن هذا النجاح مشروط بتعاون فعّال بين القطاعين العام والخاص، وتوفير بنية تشريعية قوية، وبيئة تعليمية تدعم الابتكار، ورؤية شاملة تُدرك أن الاستدامة لم تعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لمستقبل أكثر أمنًا وعدلاً.