الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين: من سيهيمن على التقنية والسلاسل العالمية؟

في ظل تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، بات الصراع الاقتصادي بين القوتين العظميين يأخذ أبعادًا جديدة تتجاوز الرسوم الجمركية والمناوشات التجارية، ليمتد إلى قلب التكنولوجيا المتقدمة وسلاسل الإمداد العالمية.
لم يعد الأمر مجرد خلاف تجاري، بل أصبح معركة استراتيجية للهيمنة على مستقبل الاقتصاد العالمي.
تشهد الساحة الدولية توترًا متزايدًا بين واشنطن وبكين في معركة السيطرة على التكنولوجيا المستقبلية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وتقنيات الجيل الخامس، والطاقة المتجددة.
وتحولت هذه القطاعات إلى ساحات تنافسية شرسة، تسعى فيها كل دولة إلى ترسيخ موقعها كلاعب رئيسي في الاقتصاد الرقمي الجديد.
الولايات المتحدة، مدفوعة بمخاۏف تتعلق بالأمن القومي والتفوق الاستراتيجي، فرضت سلسلة من العقوبات الصارمة على شركات تكنولوجيا صينية رائدة، وفي مقدمتها هواوي وSMIC، كما منعت تصدير الرقائق الإلكترونية الدقيقة إلى الصين، في محاولة لعرقلة تقدم بكين التكنولوجي. وتدعم واشنطن هذه الخطوات بضخ استثمارات ضخمة في قطاع الصناعات الدقيقة والابتكار، عبر ما يعرف بـ قانون الرقائق الذي يهدف إلى تقوية التصنيع المحلي للرقائق المتقدمة.
في المقابل، ترد بكين بسياسات معاكسة، من خلال تسريع خطط الاكتفاء الذاتي التكنولوجي، وزيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وتقديم حوافز سخية للشركات المحلية الناشئة.
كما تعمل الصين على بناء شبكات مستقلة لسلاسل الإمداد، تقلل فيها الاعتماد على الغرب، خصوصًا في مكونات حساسة كأشباه الموصلات والمعادن النادرة.
لقد أصبحت سلاسل الإمداد العالمية ميدانًا صريحًا للصراع، حيث تسعى كل من الولايات المتحدة والصين إلى إعادة تموضعها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
هذا الصراع أدّى إلى اضطراب في حركة الإنتاج والنقل، ودفع الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة التفكير في مواقع التصنيع واللوجستيات، بل ونقل جزء من استثماراتها إلى دول أخرى مثل فيتنام والهند والمكسيك، بعيدًا عن التوترات الجيوسياسية.
ويرى العديد من المراقبين أن هذا التنافس سيمتد لعقود، وأن الهيمنة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين ستُحسم في ميادين التقنية والابتكار. فالتقدم في الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، والروبوتات، والطاقة النظيفة، لم يعد رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لأي قوة تسعى للقيادة العالمية.
ومن أبرز ملامح هذا الصراع، الأهمية الاستثنائية التي اكتسبتها أشباه الموصلات، والتي باتت تُعد النفط الجديد للاقتصاد العالمي، نظرًا لدورها المحوري في تشغيل كل شيء من الهواتف الذكية إلى الصواريخ والأسلحة المتقدمة.
وتسعى كل من واشنطن وبكين إلى ضمان التحكم في هذه الصناعة الحساسة، سواء بالإنتاج المباشر أو بالتحالف مع شركاء استراتيجيين.
وتنعكس هذه المنافسة في مناطق نفوذ متعددة حول العالم، أبرزها جنوب شرق آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، حيث يتسابق الطرفان على توقيع الاتفاقيات الاستثمارية، وتقديم التمويلات، وبناء النفوذ السياسي والاقتصادي.
كما أسفرت التوترات التقنية عن إعادة رسم خريطة التحالفات الاقتصادية، وتحفيز دول كبرى مثل الهند والاتحاد الأوروبي للبحث عن توازنات جديدة تضمن لها موقعًا آمنًا في ظل هذا التحول العالمي.
في المحصلة، يبدو أن الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين لم يعد مجرد منافسة تجارية، بل معركة حاسمة على قيادة المستقبل، ستُحدَّد نتائجها وفق من يستطيع السيطرة على مفاتيح التكنولوجيا الحديثة وسلاسل الإنتاج العالمية.