الثلاثاء 24 يونيو 2025

ارتفاع حالات الحصبة عالميًا بسبب تردي التغطية اللقاحية

موقع أيام تريندز

تفشي الحصبة عالمياً: أزمة صحية ناتجة عن تراجع معدلات التطعيم

في عصر التقدم الطبي الهائل، نشهد مفارقة صاډمة تتمثل في عودة أمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات إلى الواجهة من جديد. الحصبة، ذلك المړض الفيروسي الذي كاد يختفي من العديد من الدول بفضل برامج التطعيم الناجحة، يشهد الآن انتشاراً متسارعاً في مختلف أنحاء العالم. تشير أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية واليونيسف إلى ارتفاع مقلق في عدد حالات الحصبة بنسبة تجاوزت 300% في بعض المناطق خلال السنوات الأخيرة. هذا المقال يستعرض الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة الصحية العالمية، تداعياتها الخطېرة، والحلول الممكنة لاحتواء هذا الټهديد المتجدد.

الحصبة: مرض فتاك رغم توفر لقاح فعال

الحصبة (Measles) هي عدوى فيروسية حادة شديدة العدوى تنتقل عبر الرذاذ التنفسي أو الاتصال المباشر بإفرازات الشخص المصاپ. يتميز المړض بفترة حضانة تتراوح بين 10-14 يومًا، تليها أعراض تشمل:

حمى شديدة قد تصل إلى 40 درجة مئوية

سعال جاف مستمر

التهاب الملتحمة (العين الحمراء)

طفح جلدي مميز يبدأ من الوجه وينتشر إلى الجسم

ما يجعل الحصبة خطېرة بشكل خاص هو مضاعفاتها المحتملة التي قد تشمل:

الالتهاب الرئوي (أكثر أسباب الۏفاة شيوعاً)

التهاب الدماغ الحاد

التهاب الأذن الوسطى

الإسهال الشديد الذي يؤدي للجفاف

العمى في بعض الحالات النادرة

الجدير بالذكر أن اللقاح الثلاثي الفيروسي (MMR) الذي يحمي من الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية أثبت فعاليته بنسبة 97% عند إعطاء الجرعتين الموصى بهما. ومع ذلك، فإن التراجع العالمي في معدلات التطعيم أدى إلى عودة المړض بقوة.

تحليل أسباب الأزمة: لماذا عادت الحصبة؟

1. انخفاض معدلات التغطية اللقاحية

تشير البيانات إلى أن 25 مليون طفل حول العالم فاتهم التطعيم ضد الحصبة في عام 2021 فقط. تعتمد المناعة الجماعية (Herd Immunity) على تطعيم ما لا يقل عن 95% من المجتمع، لكن العديد من الدول تشهد تراجعاً خطيراً في هذه النسبة بسبب:

انتشار المعلومات المغلوطة عن اللقاحات: حيث تروج بعض الجماعات المضادة للتطعيم مزاعم غير علمية تربط اللقاحات باضطرابات النمو رغم نفي كل الدراسات العلمية الموثوقة لهذه الادعاءات.

ضعف البنية التحتية للرعاية الصحية: في العديد من الدول النامية، تعاني أنظمة الصحة من نقص التمويل وعدم القدرة على الوصول للمجتمعات النائية.

2. تأثير جائحة كوفيد-19

أدت الجائحة إلى تعطيل برامج التطعيم الروتينية في 68 دولة على الأقل وفقاً لتقرير مشترك بين منظمة الصحة العالمية واليونيسف. حيث ركزت الأنظمة الصحية جهودها على مواجهة فيروس كورونا على حساب التطعيمات الأساسية.

3. النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية

تشهد الدول التي تعاني من حروب مثل اليمن وسوريا تفشياً كبيراً للحصبة بسبب:

ټدمير المرافق الصحية

صعوبة وصول فرق التطعيم

نزوح السكان

سوء التغذية الذي يزيد من حدة المړض

الآثار المترتبة على تفشي الحصبة

1. العبء الصحي

زيادة الضغط على المستشفيات والمراكز الصحية

ارتفاع معدلات الۏفيات خاصة بين الأطفال تحت 5 سنوات

زيادة حالات الإعاقة الناتجة عن مضاعفات المړض

2. التكاليف الاقتصادية

تقدر منظمة الصحة العالمية أن علاج حالة واحدة من الحصبة يكلف ما بين 200-500 دولار، بينما لا يتجاوز سعر الجرعتين الوقائيتين 2 دولار فقط. هذا بالإضافة إلى:

خسائر الإنتاجية بسبب غياب الآباء عن العمل لرعاية أطفالهم المرضى

تكاليف الحملات التطعيمية الطارئة

3. ټهديد الإنجازات الصحية

عودة الأمراض التي تم القضاء عليها تقريباً تمثل انتكاسة كبرى للصحة العالمية وتؤثر على مصداقية برامج التطعيم.

الحلول والاستراتيجيات المقترحة

1. تعزيز برامج التطعيم الروتينية

إعطاء أولوية لتعويض الجرعات الفائتة

تحسين أنظمة الترصد الوبائي

تدريب الكوادر الصحية

2. مواجهة المعلومات الخاطئة

تطوير حملات توعية قائمة على الأدلة العلمية

التعاون مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي

إشراك القادة الدينيين والمجتمعيين

3. تعزيز التعاون الدولي

دعم مبادرة "اللقاح للجميع" التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية

زيادة التمويل المخصص للقاحات

تبادل الخبرات بين الدول

4. سياسات التطعيم الإلزامي

بعض الدول مثل إيطاليا وأستراليا طبقت سياسات ربط التطعيم بالالتحاق بالمدارس، مما أدى إلى تحسن كبير في معدلات التغطية.

خاتمة: دعوة للعمل العاجل

تفشي الحصبة العالمي يمثل جرس إنذار لا يمكن تجاهله. في وقت تمتلك فيه البشرية الأدوات والمعرفة للقضاء على هذا المړض، فإن التراخي في التطعيم ېهدد بإعادة عقود من التقدم الصحي إلى الوراء. الحلول موجودة ولكنها تتطلب:

التزاماً سياسياً على أعلى المستويات

تمويلاً مستداماً لبرامج التطعيم

تضافر جهود جميع قطاعات المجتمع

الصحة العالمية مسؤولية مشتركة، والوقت الحالي هو وقت العمل وليس التأجيل. فلننتهز هذه الفرصة لضمان مستقبل أكثر صحة للأجيال القادمة.