بوسي شلبي في ڼزاع مع ورثة محمود عبد العزيز

في عالم الفن والدراما، حيث تتداخل العلاقات الشخصية مع المصالح المهنية، تبرز أحيانًا خلافات تتحول إلى نزاعات قانونية طويلة الأمد. واحدة من هذه القضايا التي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الفنية والقانونية هي الڼزاع القائم بين الفنانة بوسي شلبي وورثة الفنان الراحل محمود عبد العزيز. هذه القضية ليست مجرد خلاف عادي، بل تحولت إلى حالة دراسية تطرح تساؤلات عميقة حول حقوق الملكية الفكرية، والإرث الفني، والثغرات القانونية التي يمكن أن تظهر بعد رحيل الفنانين دون توثيق كافٍ لحقوقهم.
تبدأ القصة من نقطة قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى، لكنها سرعان ما تتحول إلى متاهة قانونية معقدة. بوسي شلبي، التي ارتبط اسمها بعدد من الأعمال الفنية المشتركة مع محمود عبد العزيز، تدعي امتلاكها لحقوق بعض هذه الأعمال، سواء من ناحية التوزيع أو العرض أو الاستثمار. لكن من الجهة الأخرى، يرى ورثة عبد العزيز أن هذه الحقوق تعود إليهم كميراث شرعي، خاصة أن الراحل لم يترك أي وثائق رسمية تنقل ملكية هذه الأعمال بشكل واضح وصريح إلى أي طرف خارج العائلة. هذا الغياب للتوثيق الدقيق هو ما فتح الباب أمام هذا الڼزاع الطويل.
المحاور الرئيسية في هذه القضية تتعدد وتتشعب. فمن الناحية القانونية، تقدم بوسي شلبي مجموعة من المستندات والعقود التي تعتبرها دليلاً على حصولها على هذه الحقوق بشكل قانوني، سواء عبر اتفاقيات مباشرة مع محمود عبد العزيز في حياته، أو عبر شراكات إنتاجية مع جهات أخرى تملك حقوقًا في هذه الأعمال. لكن المشكلة تكمن في أن بعض هذه الوثائق قديمة، وبعضها غير موثق بالشكل الكافي الذي يجعله حاسمًا في نظر القضاء. أما ورثة عبد العزيز، فيعتمدون في دفاعهم على قوانين الميراث التقليدية، والتي تعطي الأولوية للأبناء والزوجة في استلام أي حقوق مالية أو فنية تخص المتوفى، خاصة في غياب وصية واضحة تنص على خلاف ذلك.
الأمر لا يقتصر على الجانب القانوني الجاف، بل يمتد إلى أبعاد اجتماعية ونفسية. فبوسي شلبي، كفنانة شاركت في العديد من الأعمال مع عبد العزيز، ترى أن هذه القضية ليست مجرد مسألة مالية، بل تتعلق أيضًا بحقها في الحفاظ على جزء من إرثها الفني. أما ورثة الفنان الراحل، فلديهم شعور قوي بالمسؤولية تجاه حماية اسم والدهم وأعماله من أي استخدام قد يرونه غير مناسب أو خارج عن سيطرتهم. هذا التداخل بين المشاعر الشخصية والمصالح العملية يجعل من الصعب الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف دون اللجوء إلى القضاء.
المحاكم المصرية، التي تدرس القضية منذ سنوات، تواجه تحديًا حقيقيًا في البت فيها. فمن ناحية، هناك حاجة إلى احترام قوانين الميراث التي تحكم مثل هذه الحالات. ومن ناحية أخرى، هناك اعتبارات تتعلق بالاستثمارات التي قامت بها بوسي شلبي في هذه الأعمال، والتي قد تذهب أدراج الرياح إذا حكم لصالح الورثة دون تعويض مناسب. التعقيد يزداد عندما نعلم أن بعض هذه الأعمال تم إنتاجها في حقبة زمنية كانت فيها العقود والاتفاقيات أقل دقة مما هي عليه اليوم، مما يجعل مهمة القاضي في تقييم الأدلة مهمة شاقة.
وسط هذا الجدل، يظهر سؤال مهم: لماذا تظهر مثل هذه النزاعات بعد رحيل الفنانين، ولا يتم حسمها في حياتهم؟ الإجابة تكمن في طبيعة الوسط الفني في العقود الماضية، حيث كانت الكثير من الاتفاقيات تعتمد على الثقة والعلاقات الشخصية أكثر من الاعتماد على العقود المكتوبة والموثقة. هذا النمط من العمل، رغم أنه كان مقبولاً في ذلك الوقت، يترك اليوم وراءه إرثًا من المشكلات القانونية التي تظهر بعد فوات الأوان. لو كان محمود عبد العزيز، مثل العديد من فناني جيله، قد قام بتوثيق جميع حقوقه الفنية ووزعها بشكل واضح في وصية قانونية، لما وجد ورثته أنفسهم في مثل هذه المعارك القضائية.
الآثار المترتبة على هذه القضية تتجاوز الطرفين المتنازعين. فهي تلفت الانتباه إلى وضع آلاف الأعمال الفنية القديمة التي تنتجها الأجيال السابقة، والتي قد تكون عرضة لنزاعات مماثلة في المستقبل. الفنانون الذين يعملون اليوم لديهم وعي أكبر بأهمية التوثيق القانوني، لكن ماذا عن أولئك الذين رحلوا دون أن يتركوا وراءهم سوى أعمالهم الفنية وغياب كامل للوثائق التي تحدد مصير هذه الأعمال؟ هذه معضلة حقيقية تواجهها الصناعة الفنية في مصر والعديد من الدول العربية.
من الناحية الاقتصادية، فإن هذه القضية تطرح أيضًا تساؤلات حول قيمة الحقوق الفنية وكيفية تقييمها. فالأعمال الفنية القديمة، خاصة تلك التي شارك فيها نجوم كبار مثل محمود عبد العزيز، تحقق عوائد مالية كبيرة عند إعادة بثها أو توزيعها. لكن من يحق له الحصول على هذه العوائد؟ هل هو من يمتلك الحقوق القانونية، أم من استثمر في الحفاظ على هذه الأعمال وتوزيعها؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة في القانون، وإلا ستستمر النزاعات في الظهور.
في الخلفية، هناك أيضًا بعد ثقافي لهذه القضية. فالأعمال الفنية ليست مجرد سلع قابلة للبيع والشراء، بل هي جزء من الذاكرة الجمعية للجمهور. عندما يدور ڼزاع حول حقوق عمل فني معين، فإنه لا يؤثر فقط على الأطراف المباشرة، بل أيضًا على الجمهور الذي قد يحرم من مشاهدة هذه الأعمال إذا أدى الڼزاع إلى منع عرضها. هذا يجعل من واجب الجهات المعنية، سواء كانت نقابات الفنانين أو وزارات الثقافة، العمل على إيجاد آليات تحمي هذه الأعمال من التوقف بسبب النزاعات القانونية.
أما على المستوى الإنساني، فإن هذه القضية تذكرنا بمصير العديد من الفنانين الذين يتركون وراءهم إرثًا فنيًا ثمينًا، لكنهم يتركون أيضًا أسئلة قانونية عالقة. محمود عبد العزيز، مثل العديد من زملائه، كان فنانًا مبدعًا كرس حياته للفن، لكن النظام القانوني المحيط بحقوق الفنانين في زمانه لم يكن بمستوى يسمح بحماية كاملة لهذه الحقوق. اليوم، نرى نتائج هذا القصور في شكل نزاعات مثل التي بين بوسي شلبي والورثة.
ختامًا، فإن قضية بوسي شلبي وورثة محمود عبد العزيز ليست مجرد ڼزاع فردي، بل هي جرس إنذار للوسط الفني بأكمله. إنها تظهر الحاجة الملحة إلى نظام قانوني أكثر تطورًا في التعامل مع الحقوق الفنية، خاصة تلك المتعلقة بالفنانين الراحلين. كما أنها تظهر أهمية التوثيق الدقيق لكل خطوة في العمل الفني، من لحظة الإنتاج إلى لحظة التوزيع والاستثمار. في النهاية، الهدف يجب أن يكون حماية الإرث الفني، ليس فقط من الناحية المالية، ولكن أيضًا من ناحية ضمان استمراريته وتوفيره للأجيال القادمة دون خلافات تعيق وصوله إليهم.