ۏفاة الفنان داوود حسين عن عمر يناهز 66 سنة

في لحظة حزينة هزّت الوسط الفني الخليجي والعربي، أُعلن عن ۏفاة الفنان الكويتي الكبير داوود حسين عن عمر يناهز 66 عامًا، بعد مسيرة فنية دامت أكثر من أربعة عقود من العطاء المتواصل والإبداع غير المحدود. فقد غاب وجه من أبرز وجوه الكوميديا العربية، الذي رسم البسمة على شفاه الملايين من المحيط إلى الخليج، وكان حاضرًا في وجدان الأجيال بعفويته وروحه المرحة.
الخبر الذي انتشر كالصاعقة في مواقع التواصل الاجتماعي وأوساط الإعلام، لم يكن مجرد إعلان عن رحيل فنان، بل كان إعلانًا عن نهاية حقبة كاملة من التميز الفني والإنساني. داوود حسين لم يكن ممثلًا فقط، بل كان مدرسة في الأداء والالتزام، وصوتًا فنيًا صادقًا حمل رسالة الفن النظيف والإبداع الهادف.
من هو داوود حسين؟
وُلد داوود حسين في الكويت في 5 نوفمبر 1958، لأسرة بسيطة تهتم بالقيم والعلاقات الاجتماعية، وقد برز منذ صغره بميوله نحو التمثيل والتقليد، حيث كان يُبدع في تقمص الشخصيات والوجوه المختلفة، وهو ما لفت أنظار معلميه في المدرسة. دخل عالم الفن في أواخر السبعينيات، وبدأ مشواره مع المسرح قبل أن ينتقل إلى التلفزيون، وهناك سطع نجمه وتحوّل إلى اسم لا يُذكر الفن الكويتي الحديث إلا ويُذكر معه
البدايات والتحديات
لم تكن الطريق إلى النجاح مفروشة بالورود، فقد واجه داوود حسين تحديات عديدة في بداياته، سواء من حيث المنافسة أو إثبات الذات في بيئة كانت تزدحم بالنجوم الكبار مثل عبد الحسين عبد الرضا، سعد الڤرج، وخالد النفيسي. لكنه استطاع بخفة دمه، وموهبته الاستثنائية، وصبره الكبير، أن يفرض اسمه ويشق طريقه بهدوء، حتى صار له لون فني خاص به لا يُشبه أحدًا.
كانت بدايته الحقيقية مع البرامج الكوميدية والمسلسلات الساخرة، ثم توالت أعماله الناجحة على خشبة المسرح والتلفزيون، ليصبح أحد أهم روّاد الفن الكوميدي في الكويت والخليج.
أعمال خالدة في ذاكرة الجمهور
من أبرز ما قدّمه الراحل داوود حسين كانت مسلسلاته الكوميدية التي مزجت بين النقد الاجتماعي والضحك الذكي، دون أن تنزلق إلى الابتذال. أعمال مثل "درب الزلق"، "العتاوية"، "أبناء المنصور"، و"الناس أجناس"، شكّلت علامات فارقة في مسيرته. لم تكن مجرد أعمال للتسلية، بل رسائل مغلّفة بروح النكتة، عالجت فيها قضايا الحياة اليومية، والعلاقات الاجتماعية، والمواقف الإنسانية.
كما قدّم الفنان أدوارًا درامية مميزة أثبت من خلالها قدرته على تجسيد مشاعر الحزن، والضعف، والتناقضات البشرية، بعيدًا عن القالب الكوميدي المعتاد، ما جعله فنانًا شاملًا بحق.
شخصية داوود حسين خلف الكواليس
من يعرف داوود حسين عن قرب، يعرف كم كان إنسانًا متواضعًا، يحمل قلبًا كبيرًا مليئًا بالمحبة والحنان. لم يكن يكتفي بدوره كممثل، بل كان داعمًا للشباب، وسندًا للوجوه الجديدة في الساحة الفنية. سُجّلت له مواقف إنسانية كثيرة مع زملائه، حيث وقف بجانب من عانوا من المړض أو الحاجة، وكان دائم الابتسامة حتى في أصعب لحظاته.
عرف عنه احترامه العميق للجمهور، فلم يكن يقبل بأي دور لا يحمل قيمة فنية أو اجتماعية. حتى في زمن الفن السريع والمشاهد الفارغة، ظل داوود حسين محافظًا على خطه الفني، مؤمنًا بأن الفن رسالة قبل أن يكون مهنة
رحيله المفاجئ... وصدمة الجمهور
جاء خبر ۏفاة داوود حسين مفاجئًا للكثيرين، رغم ظهوره في الفترة الأخيرة وهو يُعاني من بعض المشاكل الصحية التي أبعدته جزئيًا عن الأضواء. لكن الجمهور كان يُمني النفس بعودته قريبًا، خاصة بعد ظهوره في مناسبات اجتماعية وتلفزيونية أكد خلالها تحسنه واشتياقه للمسرح والكاميرا.
ومع ذلك، لم يُمهله القدر، فغادر الحياة بهدوء كما عاشها، تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا لا يُمكن ملؤه، وحزنًا عميقًا في قلوب محبيه في الكويت والعالم العربي.
ردود الفعل من الوسط الفني والجمهور
تدفقت رسائل النعي والتأبين من زملائه الفنانين، والإعلاميين، والجمهور على حد سواء. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصوره ومقاطعه الشهيرة، وأصبح اسمه في صدارة التريند العربي لساعات طويلة. وتحوّل الحزن إلى ما يُشبه الحداد الشعبي غير المعلن، تعبيرًا عن تقدير الناس لفنان لطالما قدّم لهم الفرح.
وقد عبّر العديد من الفنانين عن مدى الحزن العميق الذي شعروا به لرحيل "الرفيق المخلص"، و"الوجه الطيب"، و"الفنان الذي كان يحترم فنه وجمهوره".
إرث لا يُنسى
ما يتركه داوود حسين بعد ۏفاته ليس فقط أرشيفًا غنيًا بالأعمال الناجحة، بل أثرًا إنسانيًا وثقافيًا لا يمكن نسيانه. استطاع أن يصنع لنفسه مكانة فريدة، فلا يُشبه أحد، ولا يُمكن أن يُكرر، لأنه لم يكن نسخة من أحد، بل كان صوته الخاص، ونكهته المميزة في عالم الفن.
سيظل داوود حسين حيًا في قلوب جمهوره، وفي ذاكرة الفن الخليجي والعربي، كنموذج للفنان الأصيل الذي احترم نفسه واحترم فنه، فاحترمه الناس.
خاتمة: وداعًا يا صانع البسمة
في زمن ازدحم بالضوضاء، كان داوود حسين ضوءًا هادئًا يُنير شاشاتنا، ويُضحكنا من القلب. اليوم، وهو يُغادر هذه الدنيا، لا نملك إلا أن ندعو له بالرحمة، وأن نُخلّد ذكراه بالأعمال التي قدّمها، وبالضحكات التي أطلقها، وبالقلوب التي لمسها بلطفه وابتسامته.
رحل داوود حسين، لكنه سيبقى فينا... في كل لحظة ضحك صافية، وفي كل مشهد تلفزيوني نشتاق له، وفي كل ذاكرة تحتفظ بصورة رجل أحب الفن فعاش به ولأجله، حتى آخر لحظة من عمره.