الجمعة 23 مايو 2025

اكتشاف أول مقپرة تعود للعصر الحديدي في منطقة العين بدولة الإمارات

موقع أيام تريندز

عندما تُحدّث الرمالُ التاريخَ!

في قلب صحراء العين، حيث تلتف الكثبان الذهبية حول أسرارٍ عمرها ثلاثة آلاف عام، ظهر أخيرًا دليل مادي على حضارةٍ كانت تُعتبر حتى وقت قريب "فصلًا مفقودًا" في تاريخ الإمارات. إنها المقپرة الأولى من العصر الحديدي التي تُكتشف في المنطقة، والتي لا تُقدّم مجرد رفات وعظام، بل حكايةً عن مجتمعٍ متقدّمٍ تقنيًّا، مرتبطٍ بشبكة تجارية تمتد من جبال عُمان إلى وادي السند. هذا الاكتشاف ليس حدثًا أثريًّا عابرًا، بل إعادة تشكيلٍ لجذور الهوية الخليجية، وتحدٍّ للرواية التقليدية التي تصوّر المنطقة كمجرد عبور للقوافل.

1. حفر في الزمن: تفاصيل الاكتشاف وكيفية تحديد العمر

أ- التقنية التي كشفت اللغز: علم الآثار تحت المجهر

الطبقات الجيولوجية: استخدام تقنية الستراتيجرافيا لتحديد تسلسل الطبقات الترسبية، حيث وُجدت المقپرة على عمق 4 أمتار تحت طبقة تعود للعصر البرونزي.

الكربون المشع: تأريخ العظام والفحم النباتي الموجود بجانب الرفات أظهر أن المدفونين عاشوا بين 1200 و600 قبل الميلاد.

المسح الراداري: كشف عن غرف دفنٍ إضافية لم تُفتح بعد، مما يشير إلى وجود "مدينة أموات" متكاملة.

ب- مواصفات المقپرة: هندسة تُخالف التوقعات

التصميم الدائري: بناءٌ حجريٌّ بقطر 8 أمتار، مع مدخلٍ موجهٍ نحو الشرق (رمزية شروق الشمس في المعتقدات القديمة).

التقسيم الداخلي: 12 غرفةً فرديةً ومشتركة، ما يشير إلى تدرّج اجتماعي أو عائلي.

المواد المستخدمة: أحجار جبلية من منطقتي جبل حفيت وهيلي، مع ملاطٍ طيني مُخلوط بالتبن لمقاومة التصدّع.

2. الرفات واللقى: قراءة في حياة المجتمع من خلال المۏتى

أ- أسرار الهياكل العظمية: علم الأنثروبولوجيا يكشف الأمراض والصراعات

تحليل العظام:

30 هيكلًا بشريًّا (رجال، نساء، أطفال) مع علامات سوء تغذية لدى 40% منهم، وندوب حروب على عظام الذكور البالغين.

جمجمة طفلٍ بعمر 6 سنوات تُظهر تشوّهًا خلقيًّا نادرًا (حالة القحف المتعرج)، مما يدل على قبول المجتمع للاختلاف.

طقوس الډفن:

وضع الچثث في وضعية القرفصاء، مع توجيه اليدين نحو الوجه (إيماءة تشبه النوم).

رشّ مسحوق الهيماتيت الأحمر حول الچثث، ربما كرمزٍ للدم أو الحياة الآخرة.

ب- الكنز المدفون: ماذا وجدوا داخل الغرف؟

أسلحة: خناجر برونزية بنقوشٍ تشبه زخارف حضارة ماجان (عُمان القديمة).

حليّ: أساور من العاج واللازورد، مما يؤكد التواصل مع بلاد الرافدين عبر طرق التجارة.

فخاريات: جرارٌ كبيرةٌ عليها بصمات أصابعٍ صغيرة (ربما صنعها أطفال كجزء من التدريب الحرفي).

3. العصر الحديدي في الخليج: هل كانت الإمارات مركزًا حضاريًّا مُهملًا؟

أ- مقارنة مع مواقع إقليمية: نقاط التشابه والتفرد

مقپرة سلوت (عُمان): تشابه في تصميم المدافن، لكن مع استخدامٍ أقل للبرونز.

موقع ساروق الحديد (دبي): تقارب زمني، لكن ساروق ركّز على صهر الحديد، بينما مقپرة العين تكشف عن مجتمع زراعي-رعوي.

الفارق الرئيسي: وجود رموز دينية منحوتة على الجدران الداخلية (أشكالٌ شمسية وقمرية) لم تُرصد في المواقع الأخرى.

ب- شبكة التجارة العالمية: آثارٌ من ثقافات بعيدة

ختمٌ حجريٌ من وادي السند: يُظهر رسماً لحيوان الثيران المقرن، مما يؤكد التواصل مع حضارة هارابا.

حبات من الكهرمان البلطيقي: عُثر عليها داخل الجرار، وهي مادة لم تُستورد إلى الخليج إلا بعد ألف عامٍ وفق السجلات السابقة!

تفسير الباحثين: احتمال وجود طريقٍ تجاريٍ بديلٍ عبر بحر العرب، أو أن سكان العين كانوا وسطاء في صفقاتٍ بعيدة المدى.

4- التحديات الأثرية: لماذا استغرق الكشف ثلاثة عقود؟

أ- عوائق طبيعية وبشرية

الرمال المتحركة: غطّت الموقع مراتٍ عديدة، ما أجبر الفرق على إعادة الحفر باستمرار.

البناء العمراني الحديث: توسّع مدينة العين كاد يُدمّر الطبقة الأثرية عام 2010 لولا تدخّل هيئة الثقافة.

نقص الخبرات المحلية: الاعتماد على خبراء أجانب حتى تسعينيات القرن الماضي، حين بدأ تأهيل كوادر إماراتية.

ب- تقنيات الثورة الرقمية التي حوّلت المسار

الذكاء الاصطناعي: تحليل صور الأقمار الصناعية القديمة لتحديد المناطق المحتملة.

الطباعة ثلاثية الأبعاد: إعادة تكوين تماثيل مفقودة من خلال شظايا صغيرة.

قواعد البيانات المفتوحة: مقارنة الحمض النووي للرفات مع عيناتٍ من اليمن وإيران لتتبع الهجرات.

5- ماذا يعني الاكتشاف لهوية الإمارات؟ جدلٌ ثقافيٌ وسياسي

أ- ربط الماضي بالحاضر: خطابٌ وطنيٌ جديد

مشروع "جذورنا": مبادرة حكومية لدمج الاكتشاف في المناهج الدراسية كرمز للانتماء.

صراع الروايات: بعض الأكاديميين يحذّرون من توظيف التاريخ لأغراضٍ هوياتية ضيقة.

ب- السياحة الثقافية: تحويل العين إلى "واحة التاريخ"

متحف مفتوح: تصميم مسارات زجاجية فوق الموقع مع عروض ضوئية تحاكي الحياة القديمة.

ورش حرفية: إحياء صناعات العصر الحديدي (كصياغة الحلي البرونزية) كتجارب للزوار.

ج- تحديات الحفظ: كيف نحمي الآثار من المناخ والزمن؟

مشكلة الرطوبة: تركيب أنظمة تبريدٍ تعمل بالطاقة الشمسية للحفاظ على الجدران الحجرية.

السياسات التشريعية: مقترحٌ بمنح المقپرة وضع "التراث العالمي لليونسكو" لضمان الحماية الدولية.

6- حوار مع الفريق البحثي: أسئلة لم تُجبَر بعد

أ- اللغز الأكبر: لماذا اڼهارت هذه الحضارة؟

فرضية التصحّر: تحليل حبوب لقاح قديمة يُظهر انخفاضًا مفاجئًا في الغطاء النباتي.

نظرية الغزو: اكتشاف رفات رجلٍ بسلاحٍ مغروز في عظم الصدر، مع خنجرٍ من نمطٍ جنوب جزيرة العرب.

ب- البحث عن "الأحياء": أين كانت مدنهم؟

الفرق تعتمد على تقنية المقاومة الكهربائية للكشف عن أساسات منازل تحت الرمال.

إشكالية التسمية: هل يُطلق على السكان اسم "الآباء الأوائل" للإمارات؟ أم أن التوصيف يحتاج لمزيدٍ من الأدلة؟

7- العصر الحديدي في الإعلام: بين التضخيم والتهميش

أ- سردية "الاكتشاف الأعظم" في الصحف المحلية

افتتاحيات تُشبّه المقپرة بأهرامات الجيزة في دلالتها الرمزية.

حملات تبرّع لدعم الحفريات، مع إشراك الجمهور عبر زيارة الموقع.

ب- النقد الدولي: اټهامات بالتجاهل الأكاديمي

مجلات غربية تُقلّل من أهمية الاكتشاف، وتُركز على دور البعثات الأجنبية.

ردود الفعل المحلية: دعوات لإنشاء دورياتٍ علميةٍ عربيةٍ مُحكّمة لتوثيق الإنجازات.

الخاتمة: المقپرة التي أنبتت حضارة

ليست هذه المقپرة مجرد شاهدٍ على المۏت، بل دليلٌ على حياةٍ اندثرت تحت الرمال، حياةٌ كانت غنيّةً بالتجارة والفنون والصراعات. الاكتشاف يدفعنا لإعادة طرح أسئلةٍ جوهرية: من نحن؟ ومن أين أتينا؟ وكيف سنحفظ هذا الإرث للأجيال التي ستأتي بعد ألف عام؟ قد تكون الإجابات غير مكتملة، لكن الأكيد أن كل حفرةٍ في صحراء العين ستظل تُذكّرنا بأن التاريخ ليس مجرد أحداثٍ منقضية، بل جذورٌ حيةٌ تمدّنا بالحكمة لتشكيل المستقبل.