الجمعة 23 مايو 2025

المحار العملاق: بين أساطير آكل البشر وحقيقة الانقراض

موقع أيام تريندز

المُحَار العملاق: بين أساطير آكل البشر وحقيقة الانقراض

يثير مفهوم "المُحَار العملاق" اهتماماً كبيراً لدى الباحثين والقراء على حد سواء، فهو يجمع بين عناصر من الأساطير القديمة والخيال العلمي، وبين حقائق بيئية حديثة تشير إلى انقراض بعض أنواع المحار أو تعرضها لخطړ كبير. لكن ما الحقيقة خلف هذا الكائن الغامض؟ وهل كان هناك بالفعل "محار عملاق آكل للبشر"، أم أن الأمر لا يتعدى مجرد خرافات أو اختراعات أدبية؟

أسطورة المُحَار العملاق آكل البشر

في بعض الثقافات، خاصة في المجتمعات الساحلية أو تلك المرتبطة بالحياة البحرية، تظهر قصص عن كائنات بحرية مفترسة تعيش في أعماق البحار وتهدد حياة البشر. ومن بين هذه الأساطير، نجد إشارات إلى "مخلوقات شبيهة بالمحار" ولكن بحجم هائل، ويمكنها ابتلاع الإنسان بكامله. ويقال إن هذا المحار يختبئ في أماكن مظلمة تحت الماء، ويفتح فمه الواسع لالتقاط ضحاياه غير المتوقعين.

ورغم أن هذه القصص تحمل طابعاً أسطورياً أو تحذيرياً (كوسيلة لإبعاد الأطفال أو الصيادين عن أماكن خطړة)، إلا أنها ساهمت في تكوين صورة غريبة وغير دقيقة عن المحار. ومع مرور الزمن، استفادت وسائل الإعلام والإنتاج السينمائي من هذه الفكرة، وظهرت أعمال مثل فيلم Piranha 3D الذي قدّم محاراً عملاقة باعتبارها كائنات مفترسة تشكل خطراً على البشر، مما زاد من رواج هذه الفكرة في الثقافة الشعبية.

الحقيقة العلمية: المحار وأنواعه

لكن الواقع العلمي مختلف تماماً. فالمحار هو أحد أنواع الرخويات البحرية التي تتميز بجسمها الناعم وقشرتها الخارجية الصلبة، ولا يمتلك أي آلية للهجوم أو الهضم النشط. بل يعتمد على عملية الترشيح في التغذية، حيث يمرر المياه عبر جسمه ليحصل على الغذاء من الطحالب والجزيئات العضوية الدقيقة.

وبالفعل، توجد أنواع من المحار يمكن اعتبارها "عملاقة" من حيث الحجم، مثل محار اللؤلؤ العملاق (Tridacna gigas ) ، الذي يعيش في مياه المحيط الهادئ والهندي، ويمكن أن يصل وزنه إلى أكثر من 200 كجم، وطوله إلى 1.5 متر. ومع ذلك، فإن هذا النوع رغم ضخامته ليس خطيراً على البشر إطلاقاً، سوى الخطړ الناتج عن وزنه الكبير إذا سقط عليه أحد أثناء الغوص.

هل انقرض المحار العملاق فعلاً؟

من الجدير بالذكر أن الحديث عن "انقراض المحار العملاق" قد يكون له معنى مختلف تمامًا عن ما تصوره الأساطير. ففي السنوات الأخيرة، تعاني العديد من أنواع المحار من تراجع حاد في أعدادها بسبب مجموعة من العوامل البيئية والبشرية، منها:

  • التلوث البحري : نتيجة تصريف المخلفات الكيميائية والنفطية في المحيطات.
  • ټدمير المواطن الطبيعية : مثل ټدمير الشعاب المرجانية والأنابيب الطينية التي يعيش فيها المحار.
  • الصيد الجائر : بسبب الطلب الكبير على المحار لأغراض غذائية أو زخرفية أو طبية.
  • تغير المناخ : الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة المياه وحمضيتها، مما يؤثر على نمو المحار وتكاثره.

وعلى سبيل المثال، تعرضت بعض أنواع المحار النهري إلى انخفاض كبير في أعدادها، وبعضها دخلت في حالة انقراض في البراري، مثل محار نهر البحيرة (Epioblasma turgidula ) في أمريكا الشمالية. كما أن محار اللؤلؤ العملاق نفسه يواجه تهديداً متزايداً بسبب الصيد غير المنظم واستنزاف مواطن حياته الطبيعية.

الخلاصة

إذن، المُحَار العملاق ليس كائناً مفترساً آكلاً للبشر كما تصوره الأساطير أو تُجسده بعض الأعمال الخيالية، بل هو كائن بحري لطيف وغير متحرك، يلعب دوراً أساسياً في تنقية مياه المحيطات والأنهار. ومع ذلك، فإن وجود أنواع ضخمة منه حقيقي، وهو دليل على التنوع الحيوي المذهل تحت سطح الماء.

أما عن انقراضه، فهو أمر ېهدد عدة أنواع من المحار اليوم، ليس بسبب خوارق طبيعية أو كائنات أسطورية، بل بسبب التدخل البشري غير المسؤول في النظام البيئي البحري. ولذلك، فإن حماية هذه الكائنات الصامتة هي مسؤولية إنسانية ضرورية للحفاظ على توازن الحياة تحت الماء، وتجنب فقدان كائنات كانت يوماً ما تمثل عاملاً أساسياً في صحة البيئة البحرية.