الهواتف تغيير أدمغتنا و تدمرها، إليك الدليل

لم تعد الهواتف الذكية مجرد وسيلة للاتصال أو الترفيه، بل تحوّلت إلى عنصر دائم في حياتنا اليومية، يرافقنا من لحظة الاستيقاظ حتى ما قبل النوم. ومع ازدياد الاعتماد عليها، تزداد التساؤلات حول تأثيرها الفعلي على أدمغتنا.
فهل نحن أمام وسيلة تكنولوجية تخدمنا، أم أداة تسرق منا قدراتنا العقلية بصمت؟ الإجابة تكشفها دراسات حديثة أطلقت تحذيرات صريحة من الخطړ المتنامي.
بحسب أبحاث نُشرت مؤخرًا في مجلات علمية متخصصة في علوم الأعصاب، فإن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يؤدي إلى تغيّرات ملحوظة في بنية الدماغ ووظائفه.
الدراسات تشير إلى أن مناطق مهمة في الدماغ، مثل تلك المسؤولة عن التركيز والانتباه والذاكرة، تتعرض لتراجع في الأداء لدى الأفراد الذين يستخدمون هواتفهم لساعات طويلة يوميًا.
لا يتوقف الأمر عند حدود تشتت الانتباه، بل يمتد ليشمل ضعفًا في القدرة على التذكر، وصعوبة في التفكير العميق والمعالجة المعرفية المعقدة.
فالتنقل السريع بين التطبيقات، والإشعارات المستمرة، والانشغال الدائم بالشاشة، كلّها عوامل تربك الدماغ وتمنعه من الدخول في حالات التركيز العميق التي يحتاجها للإبداع أو التحليل.
ويحذر علماء الأعصاب من الټدمير الصامت لخلايا الدماغ، حيث إن التعرض الطويل للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، بالإضافة إلى التفاعل المستمر مع محتوى سطحي ومتقلب، يؤثران سلبًا في المزاج العام، ويرتبطان بزيادة معدلات القلق والتوتر.
بل إن بعض الأبحاث وجدت علاقة مباشرة بين الإفراط في استخدام الهاتف واضطرابات النوم المزمنة، ما ينعكس سلبًا على صحة الدماغ على المدى الطويل.
ويذهب بعض الخبراء إلى وصف إدمان الهاتف بالحالة الطبية، معتبرين أنه لم يعد سلوكًا سيئًا يمكن ضبطه بسهولة، بل بات اضطرابًا نفسيًا يحتاج إلى تدخل وعلاج.
فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الفرد أمام الشاشة، كلما ضعفت قدرته على التعامل مع العالم الواقعي، وعلى تكوين علاقات اجتماعية صحية أو اتخاذ قرارات عقلانية.
ما لا يدركه كثيرون هو أن الهواتف تغيّر طريقة تفكيرنا، وتُخضع عقولنا لوتيرة سريعة ومتقلبة، تُفقدنا الصبر والتركيز. يقول أحد الباحثين: الشاشات الصغيرة تغيّرنا أكثر مما نعتقد، وقد نصل قريبًا إلى مرحلة يصبح فيها الهاتف هو المتحكم الفعلي بقراراتنا وسلوكنا، دون أن نلاحظ ذلك.
أما الخطړ الأكبر، فيتعلق بالأطفال. فقد أثبتت دراسات عدة أن التعرض المبكر والمطوّل للشاشات يؤثر بشكل مباشر في نمو الدماغ لدى الأطفال، ويعيق تطور المهارات اللغوية والاجتماعية، ويزيد من احتمالات الإصابة باضطرابات سلوكية مثل فرط النشاط وتشتت الانتباه.
في ضوء هذه المعطيات، يوصي الخبراء بضرورة ترشيد استخدام الهواتف الذكية، ووضع فترات راحة رقمية، ومراقبة المحتوى والمدة خاصة لدى الأطفال والمراهقين.
فالوعي بالخطړ هو الخطوة الأولى نحو الحماية، والحفاظ على صحة الدماغ في زمن الشاشات ليس خيارًا، بل ضرورة.
وبينما تتسابق التكنولوجيا في تقديم المزيد من الإغراءات الرقمية، يبقى التحدي الأكبر هو أن نحافظ على إنسانيتنا، وعلى عقولنا من التآكل البطيء خلف الشاشات المضيئة.