أين يوجد مقپرة السفن؟ وما أسرارها؟

موقع أيام تريندز

أين توجد مقپرة السفن ؟ وما أسرارها؟

من أعماق النسيان: كيف تحولت البحار إلى مقاپر لسفن عملاقة؟

لم تكن مقاپر السفن جزءًا من مخطط بشړي واضح، بل جاءت كنتيجة طبيعية لتراكمات تاريخية واقتصادية وبيئية. على مدار عقود، كانت البحار والموانئ محطًا نهائيًا لسفن خرجت من الخدمة إما بسبب التقادم أو التلف أو انتهاء مهمتها. وقد تحولت هذه السفن المهجورة شيئًا فشيئًا إلى هياكل صدئة، شاهدة على ماضٍ صناعي وتجاري وحربي طويل.

ترتبط بعض هذه المقاپر بظروف سياسية أو اقتصادية عصفت بدول كانت تمتلك أساطيل بحرية كبيرة، بينما تعود أخرى لأسباب أكثر بساطة مثل عجز ملاك السفن عن تمويل إصلاحها أو إعادة تدويرها. ومع مرور الزمن، أصبحت هذه المواقع شاهدة على قصص منسية من تاريخ البحار، ومصدر جدل بين قيمتها التاريخية ومخاطرها البيئية.

خليج نواذيبو: لماذا اختارت السفن هذا الخليج الأخير لها؟

يُعد خليج نواذيبو في موريتانيا من أبرز مواقع مقاپر السفن في العالم، ويُلقب غالبًا بـ"أكبر مقپرة سفن بحرية على وجه الأرض". يضم الخليج أكثر من 300 سفينة مهجورة، تراكمت منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم. بعضها كانت سفن شحن، وبعضها سفن صيد، والبعض الآخر سفن تجارية دولية.

أسباب ترك السفن في هذا الموقع تعود إلى ضعف البنية التحتية لموانئ التفكيك وإعادة التدوير، بالإضافة إلى غياب الرقابة القانونية لفترات طويلة، مما سمح لمالكي السفن بتركها دون مساءلة. بمرور الوقت، تحوّل الخليج إلى وجهة نهائية لكل سفينة انتهت مهامها، وسط غياب خطط للتخلص منها أو تدويرها.

نواذيبو لم تكن مجرد مقپرة صامتة، بل تحولت إلى ملف بيئي واقتصادي وأمني تتناوله التقارير الدولية، حيث يُطالب نشطاء البيئة والحكومات بحلول عاجلة للحد من الآثار السلبية لهذه السفن المتروكة.

السفن المهجورة: خطړ بيئي أم تراث صامت؟

رغم أن هذه السفن المهجورة تمثل تراثًا ماديًا يعكس مراحل مختلفة من التاريخ البحري، إلا أن وجودها المستمر دون صيانة أو تفكيك يشكّل تهديدًا حقيقيًا للبيئة البحرية. تحتوي العديد من هذه السفن على مواد سامة مثل الزيوت الثقيلة، الأسبستوس، وبقايا معدنية قابلة للتآكل، يمكن أن تلوث المياه الساحلية وتؤثر سلبًا على الكائنات البحرية وصحة السكان المحليين.

في المقابل، يدافع بعض الباحثين عن إبقاء هذه الهياكل كمواقع تراثية وصناعية، خصوصًا في الدول التي لا تملك سجلًا ضخمًا في الصناعات البحرية. وقد استخدمت بعض الحكومات هذه السفن القديمة في بناء شعاب صناعية لجذب الكائنات البحرية وتعزيز التنوع البيولوجي.

المفارقة تكمن في أن الخطړ والتراث يتعايشان في مكان واحد، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول أفضل السبل لإدارة هذه المواقع.

اقتصاد الخردة: كيف تتحول حديد السفن إلى ثروة خفية؟

بعيدًا عن المظهر المهجور لمقاپر السفن، تكمن في هذه الهياكل قيمة اقتصادية كبيرة، حيث إن نحو 90% من مكونات السفن القديمة يمكن إعادة تدويرها. الحديد، وهو المكون الرئيس في بناء السفن، يمكن استخدامه في صناعات عدة، مما يفتح المجال أمام فرص اقتصادية محلية.

في بعض الدول، جرى إنشاء ورش تفكيك واسترجاع معادن من هذه السفن، مما وفّر فرص عمل جديدة وساهم في دعم الاقتصاد المحلي. إلا أن هذه العمليات تتطلب تقنيات متقدمة وشروطًا بيئية صارمة، لا تتوفر دائمًا في الدول النامية، مما يحد من إمكانية استثمار هذه الثروة الكامنة.

التعامل مع السفن كمصدر دخل، بدلًا من كونها عبئًا بيئيًا، يمثل منظورًا جديدًا يمكن تبنّيه إذا ما توفرت الإمكانيات والتشريعات الملائمة.

من الحړب إلى الصدأ: قصص سفن انتهت حياتها في الظل

بعض السفن الموجودة في مقاپر العالم كانت ذات شهرة، وشاركت في مهمات حربية أو إنسانية خلال القرن العشرين. في جزيرة روزفلت بنيويورك، يمكن العثور على بقايا سفن استخدمت خلال الحړب العالمية الثانية. وهناك سفن تجارية ضخمة خدمت على خطوط الملاحة بين القارات قبل أن تُركن إلى الصدأ.

لكل سفينة قصة قد لا يعرفها الكثيرون، من مهام بطولية إلى مغامرات تهريب غير قانونية. بعض الباحثين والمؤرخين يعملون على توثيق هذه القصص، في محاولة لإعادة إحياء التراث البحري العالمي من خلال هذه الهياكل الصامتة.

لكن الكثير من هذه القصص تظل حبيسة الصدأ والنسيان، ما لم تُبذل جهود حقيقية لتوثيقها وحمايتها.

مقاپر السفن وجهة للغواصين: سياحة تحت سطح البحر

على الرغم من مخاطرها، أصبحت بعض مقاپر السفن وجهات مفضلة لهواة الغوص والتصوير البحري. فوجود هياكل ضخمة في قاع البحر أو قرب السواحل يوفّر بيئة فريدة لاستكشاف عالم ما بعد الخدمة البحرية. في بعض الدول مثل أستراليا والفلبين، يتم تنظيم رحلات غوص إلى مواقع سفن غارقة، مما يخلق صناعة سياحة جديدة تُعرف باسم "سياحة الحطام".

إلا أن السياحة في هذه المواقع تتطلب تأمينًا عاليًا وتجهيزات خاصة لضمان سلامة الزوار. وقد استثمرت بعض الحكومات في تحويل مواقع سفن مهجورة إلى حدائق بحرية محمية، ما عزز من القيمة الاقتصادية والبيئية لهذه المقاپر.

مقاپر السفن حول العالم: أين تتكرر الظاهرة؟ ولماذا؟

بالإضافة إلى خليج نواذيبو، تنتشر مقاپر السفن في مناطق متفرقة من العالم، أبرزها:

جزيرة ستاتن بنيويورك: تحتوي على واحدة من أقدم ساحات تفكيك السفن في الولايات المتحدة.

جزيرة سكوربيوس بأستراليا: مركز لتفكيك السفن المنتهية الصلاحية.

سواحل بنغلاديش والهند: حيث تُفكك آلاف السفن سنويًا باستخدام وسائل بدائية وخطړة.

سواحل روسيا والبلقان: تضم سفنًا حربية وتجارية تعود للعهد السوفييتي.

تكرار هذه الظاهرة يعكس خللاً في السياسات البحرية الدولية، وغياب تنسيق عالمي بشأن نهاية عمر السفن. كما يشير إلى الحاجة الماسة لتشريعات بيئية واقتصادية تضمن التخلص الآمن والمستدام من السفن المنتهية.

خاتمة
تمثل مقاپر السفن مشهدًا معقدًا يجمع بين التاريخ والصناعة والبيئة. فمن جهة، تكشف عن إرث حضاري وتجاري عريق، ومن جهة أخرى، تُعدّ مصدر ټهديد بيئي متنامٍ. وبين هذين الحدّين، تبرز الفرصة لإعادة التفكير في طريقة إدارة السفن بعد انتهاء خدمتها، سواء من خلال التدوير، التوثيق التاريخي، أو حتى تحويلها إلى مزار سياحي. ما يبدو مهجورًا وصامتًا اليوم، قد يكون مفتاحًا لمستقبل أكثر وعيًا وابتكارًا.