ترامب يتجاوز الخطوط الحمراء وينشر صورة له برداء "بابا الفاتيكان"

في واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل خلال العام 2025، قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بنشر صورة له مرتديًا زي البابا الكاثوليكي، ما أثار موجة واسعة من الانتقادات والسخرية والقلق من شخصيات دينية وسياسية على حد سواء. الصورة، التي تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (AI-generated image)، نُشرت على منصة "Truth Social" الخاصة بترامب، وكذلك أعيد نشرها لاحقًا على الحساب الرسمي للبيت الأبيض على منصة "X" (تويتر سابقًا)، الأمر الذي صعّد من التوتر.
تفاصيل الصورة المٹيرة
الصورة التي فجّرت العاصفة الإعلامية، تُظهر ترامب مرتديًا اللباس البابوي الأبيض الكامل، مع التاج الذهبي والصليب الكبير على صدره، وجالسًا على عرش الفاتيكان بطريقة توحي بأنه البابا الفعلي. وقد جاءت الصورة في توقيت دقيق وحساس للغاية، بعد أيام قليلة فقط من إعلان ۏفاة البابا فرانسيس، رأس الكنيسة الكاثوليكية، مما جعل كثيرين يعتبرون الصورة استفزازًا لمشاعر الكاثوليك حول العالم.
المشهد المصنوع رقميًا بدا واقعيًا إلى حد كبير، حتى أن البعض في البداية ظن أنها صورة حقيقية، قبل أن يتضح أنها مزيفة ونتيجة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، التي أصبحت أكثر قدرة على توليد صور شديدة الدقة.
تصريحات ترامب: مزاح أم طموح؟
بعد نشر الصورة، تحدث ترامب مازحًا في تصريح صحفي قائلاً:
"أعتقد أنني سأكون بابا جيدًا. ربما الخيار الأفضل... البابا ترامب!"
وقد أثارت هذه التصريحات سخرية البعض، لكنها في الوقت نفسه أغضبت آخرين ممن اعتبروا أن استخدام الرموز الدينية بهذا الشكل نوع من السخرية أو التقليل من مكانة المنصب الديني الأعلى لدى الكاثوليك. كما أشار ترامب إلى الكاردينال الأمريكي تيموثي دولان كخيار محتمل لقيادة الفاتيكان، ما زاد من التكهنات حول مقاصده الحقيقية
ردود الفعل الدينية: ڠضب واستياء
العديد من المؤسسات الدينية والمراجع الكاثوليكية عبّرت عن استيائها البالغ من هذه الخطوة. وصرّح مؤتمر الأساقفة الكاثوليك في أمريكا بأن الصورة تمثل "تعديًا على الرموز الدينية المقدسة، وتفتقر إلى الاحترام في لحظة يجب أن تكون مخصصة للصلاة والحزن".
كذلك، دعا عدد من الكهنة والأساقفة من أوروبا وأمريكا اللاتينية إلى التوقف عن استخدام الدين كمادة للسخرية أو لأهداف سياسية، مشيرين إلى أن الفاتيكان يجب أن يبقى رمزًا للوحدة الروحية، وليس أداة للتهكم السياسي.
البيت الأبيض في دائرة الجدل
أعاد الحساب الرسمي للبيت الأبيض نشر الصورة، مما أعطى إيحاءً بأن الأمر قد يحمل طابعًا رسميًا أو رسالة رمزية، وهو ما زاد من الاحتقان والڠضب الشعبي، خاصة في الأوساط الدينية.
ومع أن المتحدث باسم البيت الأبيض لاحقًا قال إن النشر كان عن طريق الخطأ من فريق التواصل الرقمي، إلا أن الضرر الإعلامي كان قد وقع بالفعل.
ردود الفعل الشعبية على وسائل التواصل
تصدّر وسم #TrumpAsPope الترند العالمي لساعات طويلة، وانقسم المغردون بين من رأى الأمر نكتة ساخرة، وفنًا رقميًا بلا أذى، ومن اعتبرها إهانة مباشرة للدين الكاثوليكي، خصوصًا مع اقتراب موعد اجتماع المجمع السري لاختيار البابا الجديد.
بعض المستخدمين أنشأوا صورًا معدلة أخرى لترامب في ملابس مختلفة لرؤساء دينيين آخرين، في رد فعل ساخر، بينما طالب آخرون بـ اتخاذ إجراءات قانونية أو توجيه اعتذار رسمي للفاتيكان.
قضية الذكاء الاصطناعي والتزييف البصري
هذه الواقعة أعادت تسليط الضوء على قضية الصور المزيفة المنتجة بالذكاء الاصطناعي (Deepfakes)، التي أصبحت منتشرة بشكل كبير ومقلق. ففي حين كانت في السابق مجرد أدوات للترفيه أو التلاعب البسيط، باتت اليوم قادرة على تشويه الحقائق وإثارة البلبلة السياسية أو الدينية.
ويطالب عدد من المشرعين في الكونغرس الأمريكي بضرورة سن قوانين واضحة لتنظيم استخدام هذه التكنولوجيا، خاصة عندما تمس الشأن العام أو الرموز الدينية.
خلفية العلاقة بين ترامب والفاتيكان
لم تكن العلاقة بين ترامب والفاتيكان دائمًا على ما يرام. فخلال فترة رئاسته، انتقد البابا فرانسيس بعض سياساته المتعلقة بالهجرة واللاجئين، وكذلك مواقفه من التغير المناخي. وفي المقابل، لم يتردد ترامب في الرد، واعتبر أن البابا "لا يفهم الواقع الأمريكي".
ولذلك، اعتبر كثيرون أن نشر صورة ترامب بزي البابا ليس محض صدفة أو دعابة بريئة، بل نوع من الاستفزاز المتعمد، وإن كان مغطى بطابع ساخر.
خاتمة: حدود المزاح السياسي والديني
تُعيد هذه الواقعة طرح تساؤلات مهمة حول حدود حرية التعبير في الفضاء الرقمي، وخاصة عندما تكون الرموز الدينية والثقافية طرفًا فيها.
فهل يجوز استخدام الرموز الدينية في السخرية السياسية؟ وهل يجب فرض قيود على الذكاء الاصطناعي الذي قد يتسبب في الإساءة أو التلاعب بالرأي العام؟
وفي كل الأحوال، تؤكد هذه الحاډثة أن دونالد ترامب لا يزال لاعبًا إعلاميًا مثيرًا للجدل بامتياز، حتى بعد خروجه من البيت الأبيض، وأن صوره – سواء حقيقية أو مزيفة – لا تزال قادرة على شغل العالم.