محاولة مېتا الفاشلة لتحدي إنستغرام

موقع أيام تريندز

محاولة مېتا الفاشلة لتحدي إنستغرام: قراءة في صراع المنصات وارتباك الاستراتيجيات

في مشهد التكنولوجيا المتسارع، تُعد شركة مېتا (فيسبوك سابقًا) واحدة من أضخم الكيانات الرقمية، وهي المالكة لعدة منصات عملاقة أبرزها فيسبوك، إنستغرام، وواتساب. ومع ذلك، فإن تاريخ مېتا لا يخلو من التجارب الفاشلة، وخاصة حين تحاول الشركة خلق تطبيقات جديدة أو منافسة ذاتها بطريقة تفتقر للرؤية. واحدة من أبرز هذه التجارب كانت محاولتها إطلاق تطبيقات أو ميزات تنافس إنستغرام نفسه، أو تعيد اختراعه ضمن أطر جديدة. هذا المقال يحاول تحليل أسباب فشل هذه المحاولات، وتوضيح أبعادها التقنية، التسويقية، والنفسية للمستخدمين، مع الإشارة إلى ما تكشفه من أزمة أعمق في عقل مېتا الاستراتيجي.

أولًا: الخلفية – مېتا ومنصاتها المتشابكة

 لكن هذه المنصات رغم تنوعها، تتقاطع في جمهورها ووظائفها، مما يجعل أي محاولة لتوسيع إحدى الخدمات وكأنها صراع داخلي بين أطراف تنتمي إلى نفس العائلة.

ومن هنا، فإن محاولات مېتا لمنافسة إنستغرام أو "تجديده" لم تكن دومًا مفهومة أو ذات هدف واضح، بل جاءت أحيانًا وكأن الشركة تحاول تحدي نجاحها الذاتي دون حاجة.

ثانيًا: تطبيق Threads... طموح بلا جمهور

واحدة من أبرز المحاولات كانت إطلاق تطبيق Threads عام 2023، كمنصة مخصصة للمحادثات النصية تشبه إلى حد كبير تويتر (إكس حاليًا). ورغم أن التطبيق انطلق بزخم إعلامي كبير، مدعومًا بربطه بحسابات إنستغرام، إلا أن نسبة المستخدمين النشطين تراجعت بشكل حاد خلال الأسابيع الأولى.

المشكلة لم تكن في التقنية بحد ذاتها، بل في غياب الحاجة الحقيقية لدى المستخدم. جمهور إنستغرام لا يبحث عن نقاشات نصّية، بل يستهلك محتوى بصري سريع. كذلك، جمهور تويتر له طابع ثقافي مختلف، أكثر انخراطًا في السياسة، الاقتصاد، والقضايا الجادة. Threads لم ينجح في جذب جمهور إنستغرام، ولم يُقنع جمهور تويتر بالانتقال.

ثالثًا: IGTV وReels... عندما تتصارع المزايا داخل التطبيق

في محاولة منها لمنافسة يوتيوب من جهة، وتيك توك من جهة أخرى، أطلقت مېتا ميزات مثل IGTV (فيديوهات طويلة على إنستغرام) وReels (فيديوهات قصيرة). إلا أن هذه الميزات أثارت ارتباكًا وظيفيًا داخل إنستغرام نفسه، حيث لم يفهم المستخدم متى ولماذا يستخدم كل نوع من المحتوى، ولماذا يتم فصل أو دمج بعض الصيغ.

فشل IGTV تحديدًا يعود إلى نقطة جوهرية: إنستغرام في وعي الناس ليس منصة محتوى طويل. المستخدمون لا يريدون مشاهدة فيديو مدته 15 دقيقة أثناء تصفحهم السريع. بينما Reels، رغم أنها حققت انتشارًا، إلا أنها لم تُقدّم ميزة نوعية تتفوق بها على تيك توك الذي يسيطر على سوق الفيديوهات القصيرة من حيث الإبداع وخوارزمية التفاعل.

رابعًا: أزمة الهوية – مېتا لا تعرف ما تريد

تكرار المحاولات الفاشلة يكشف أن مېتا تعاني من ارتباك استراتيجي في فهم جمهورها. ففي كل مرة تظهر فيها منصة جديدة وتنجح، تسارع مېتا لتقليدها. نجح تيك توك؟ لنصنع Reels. عادت تويتر للحياة؟ لنصنع Threads. لكن ما تفشل فيه مېتا هو فهم أن المنصات لا تنجح فقط بسبب ميزاتها، بل بسبب ثقافتها الخاصة.

إنستغرام نجح لأنه شكّل بيئة بصرية ممتعة قائمة على الجمال والسطحية. فيسبوك نجح لأنه ربط الناس بعلاقاتهم الحقيقية. واتساب انتشر لأنه بسيط وسريع. أما الميزات الجديدة فتأتي وكأنها غريبة عن ثقافة التطبيق، فتُجبر المستخدم على التعامل معها قسرًا أو تتجاهلها تمامًا.

خامسًا: التضارب الداخلي ېقتل الابتكار

أحد التحديات التي واجهتها مېتا في محاولة تجاوز إنستغرام، هو أن أي نجاح كبير لتطبيق جديد قد يعني تراجعًا في شعبية إنستغرام نفسه، مما يخلق صراعًا داخليًا في الشركة. لذا، بدلًا من الإبداع الحر، يصبح الابتكار مشروطًا بـ"ألا يؤذي التطبيق الآخر". هذه الحالة تعيق ولادة أي تجربة جريئة حقيقية.

عندما تكون كل المنتجات ضمن نفس الشركة، يصبح من الصعب اتخاذ قرارات حاسمة بخصوص التخلص من المنتجات القديمة، أو الټضحية بجزء من الجمهور في سبيل التجديد. لذلك تميل مېتا إلى التجريب الحذر الممل الذي لا يُحدث فرقًا.

سادسًا: المستخدمون ليسوا أرقامًا فقط

واحدة من أكبر مشاكل مېتا في هذه المحاولات، أنها تتعامل مع المستخدمين كأرقام يمكن نقلها من منصة إلى أخرى بسهولة. ظنّت الشركة أن بإمكانها إجبار جمهور إنستغرام على استخدام Threads فقط لأنه متصل بالحساب نفسه. لكن المستخدم لا يتصرف بناءً على السهولة فقط، بل وفق الإحساس بالانتماء للمنصة.

ثقافة المنصة، نوع المحتوى، الجمهور الموجود فيها، كلها عوامل لا يمكن نقلها بجرة زر أو بإعلان مدفوع. لذلك، فشل Threads رغم كل ما أنفق عليه، بينما تيك توك مثلًا نجح بلا أي ارتباط بمنصات أخرى.

سابعًا: فقدان الثقة ومحدودية التأثير

عندما تُطلق شركة تقنية كبرى منتجًا جديدًا وتفشل، قد يكون ذلك طبيعيًا. لكن عندما يتكرر الأمر أكثر من مرة خلال سنوات قليلة، يبدأ المستخدم في فقدان الثقة. ما الفائدة من تحميل تطبيق جديد تابع لمېتا إن كان سيتم إغلاقه خلال عام؟ لماذا أبني جمهورًا جديدًا على IGTV إن كانت مېتا قد تقرر دمجه أو إلغاؤه بعد فترة؟

هذا النوع من التردد يقوّض قدرة الشركة على إطلاق مشاريع جديدة بجدية، ويجعلها تظهر وكأنها تلعب بـ"نسخ الأفكار" بدل خلقها. مېتا بحاجة إلى فلسفة جديدة

إن فشل مېتا في تحدي إنستغرام أو في خلق بديل أو منافس له يكشف عن أزمة أكبر من مجرد منتج لم ينجح. الأزمة في غياب الرؤية، وغياب الجرأة على التفكيك وإعادة البناء. الشركة تتصرف كمن يحاول أن يكون في كل مكان، لكنها في النهاية لا تملك التركيز ولا العمق.

الميزة الحقيقية في أي منصة جديدة ليست في تصميمها ولا ارتباطها بمنصات أخرى، بل في قدرتها على بناء مجتمع رقمي جديد له لغته، مزاجه، وديناميكيته. إلى أن تفهم مېتا هذه الحقيقة، ستستمر في إطلاق تطبيقات فاشلة، لا هي منافس لإنستغرام، ولا هي بديل لأي شيء.