حبس سلمان الخالدي ٥ سنوات ما القصة؟

حبس سلمان الخالدي 5 سنوات: ما القصة وراء تغريدات أودت بحرية ناشط سعودي؟
مقدمة: تغريدات تُحوِّل ناشطًا إلى سجين رأي
في عالم يُوصف فيه الفضاء الرقمي بأنه "ساحة الحرية الأخيرة"، تحوَّلت منصات التواصل الاجتماعي في السعودية إلى مصيدة لكثير من النشطاء، من أبرزهم سلمان الخالدي، الذي حُكِم عليه بالسجن خمس سنوات بسبب تغريدات نقدية. قضيته لا تعكس صراعًا فرديًّا فحسب، بل تكشف أيضًا عن التناقض بين خطاب الإصلاح الرسمي وتصاعد وتيرة القمع السياسي. فكيف تحوَّلت كلمات مكتوبة على منصة تويتر إلى تهمة تستوجب السچن؟ وما السياقات الخفية خلف هذه القضية؟
1. تويتر كساحة معركة: كيف أصبحت تغريدات الخالدي چريمة؟
بدأت قصة الخالدي كحال كثير من النشطاء الذين وجدوا في تويتر منبرًا للتعبير عن آرائهم، في ظل تضييق المجال العام في السعودية. إلا أن ما نشره من انتقادات لسياسات الحكومة، في ملفات مثل حقوق الإنسان والشفافية، تحوَّل إلى "أدلة إدانة" بموجب قوانين فضفاضة.
ووفقًا لوثائق قضائية، استندت النيابة العامة إلى تغريداته التي دعت إلى إصلاحات سياسية باعتبارها دليلًا على "زعزعة الأمن" و"التحريض"، مما يُبرز كيف تحوَّلت المنصات الرقمية من أدوات للتعبير إلى سجلات تُوظَّف ضد مستخدميها.
2. من التغريد إلى الزنزانة: قمع رقمي في عصر التكنولوجيا السعودي
اعتقال الخالدي في أكتوبر 2020 لم يكن مفاجئًا، فقد سبقه اعتقال عشرات النشطاء والكتاب الذين استخدموا الفضاء الرقمي للتعبير عن آرائهم. وتُظهر قضيته كيف أصبحت التكنولوجيا سلاحًا ذا حدين:
الحد الأول: تمكين النشطاء من الوصول إلى جمهور واسع.
الحد الثاني: تيسير تجريمهم عبر حفظ المحتوى الرقمي واستخدامه كأدلة قضائية.
ووفقًا لتقارير هيومن رايتس ووتش، فإن 70% من قضايا الرأي في السعودية تستند إلى محتوى رقمي كدليل رئيسي للإدانة.
3. رؤية 2030: وجهان لعملة واحدة... انفتاح اقتصادي مقابل تضييق سياسي
تزامنت الاعتقالات مع تسارع تنفيذ رؤية 2030، التي يُروَّج لها كمشروع طموح يهدف إلى تحرير الاقتصاد وتحديث المجتمع. لكن الواقع يكشف تناقضًا صارخًا:
الوجه الأول: إصلاحات اجتماعية، كالسماح للمرأة بقيادة السيارة وافتتاح دور السينما.
الوجه الثاني: تشديد أمني على كل صوت معارض، إذ سُجِن أكثر من 300 ناشط بين عامي 2017 و2023، وفقًا لمنظمة السعوديون من أجل الحقوق.
هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى صدقية الخطاب الإصلاحي في ظل استمرار القمع.
4. القانون السعودي في مواجهة المعايير الدولية: هل تتوافق تشريعات مكافحة الإرهاب مع المواثيق العالمية؟
خضع الخالدي للمحاكمة بموجب نظام مكافحة الچرائم الإلكترونية ونظام مكافحة الإرهاب، اللذين وُجِّهت إليهما انتقادات حقوقية بسبب التوسع في تجريم حرية التعبير.
فالمادة 6 من نظام مكافحة الإرهاب تُعرّف الإرهاب بأنه أي عمل يهدف إلى "زعزعة الأمن" أو "التنصل من الولاء للحاكم"، وهي صياغة غامضة تفتح المجال لتأويلات تؤدي إلى تقييد الحريات المدنية.
وتكمن المفارقة في أن السعودية وقعت على الاتفاقية الدولية لمكافحة الإرهاب عام 2017، في حين أن تشريعاتها تتعارض مع المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن حرية الرأي والتعبير.
5. الصمت الدولي المُذهَّب: هل تشتري السعودية صمت العالم باستثمارات رؤية 2030؟
رغم إدانة منظمات مثل منظمة العفو الدولية للحكم، إلا أن ردود الفعل الدولية الرسمية جاءت باهتة. والسبب؟ المصالح الاقتصادية الهائلة المرتبطة بـرؤية 2030، التي استقطبت استثمارات تجاوزت 1.2 تريليون دولار حتى عام 2023، وفقًا لبنك غولدمان ساكس.
الولايات المتحدة، الحليف التقليدي، تجنبت الانتقاد العلني حفاظًا على صفقات السلاح.
ألمانيا، رغم إدانتها غير الرسمية، تشارك شركاتها في مشاريع مثل نيوم بمليارات الدولارات.
هذا الصمت يثير تساؤلات أخلاقية حول تغليب المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان.
6. ما بعد السچن: تداعيات نفسية واجتماعية تمتد إلى خارج القضبان
قضية الخالدي لا تنتهي بالحكم، بل تتعداه إلى آثار نفسية واجتماعية عميقة:
نفسيًّا: يعاني كثير من السجناء السياسيين من اضطرابات ما بعد الصدمة نتيجة الټعذيب أو العزل الانفرادي، بحسب شهادات موثقة.
اجتماعيًّا: توصم أسرهم أحيانًا بـ"العاړ"، مما يؤدي إلى عزلة اجتماعية ويقلص من فرص العمل والزواج.
هذه الأبعاد الإنسانية كثيرًا ما تُهمَل في تناول القضايا السياسية.
7. هل هناك أمل في حرية التعبير؟
رغم المشهد القاتم، يرى بعض المراقبين أن الضغوط الدولية، خاصة مع اقتراب استحقاقات كبرى مثل كأس العالم 2030، قد تدفع السعودية لتقديم تنازلات جزئية، كالإفراج عن بعض المعتقلين لتحسين صورتها.
لكن التغيير الجوهري يبقى مرهونًا بإصلاحات تشريعية ومؤسساتية عميقة، وهو ما لا يبدو أن الرياض مستعدة له في الوقت الحالي.
خاتمة: سلمان الخالدي.. رمز لمعركة لم تُحسَم بعد
ليست قضية سلمان الخالدي مجرد حكم بالسجن، بل اختبار حقيقي لمدى التزام السعودية بوعود الإصلاح والانفتاح. وبينما تُنظّم الرياض مؤتمرات حول "التحول الرقمي" و"تمكين الشباب"، تبقى زنازين الرأي شاهدة على فجوة واسعة بين الخطاب والممارسة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: كم ناشطًا سيدفع الثمن قبل أن يتغيّر الواقع؟