الجمعة 23 مايو 2025

حيوان يستطيع رؤية الألوان في الظلام.. فمن هو؟

موقع أيام تريندز

عندما تُضاء الظلمة بألوانٍ لا نراها

في أعماق غابات أمريكا الجنوبية، حيث يتحول الليل إلى كابوسٍ للبصر البشري، يعيش كائنٌ فريدٌ يرى العالم كلوحةٍ زيتيةٍ ملوّنة حتى في ظلام دامس. إنه القرد الليلي (Aotus) – المعروف أيضاً بـ"قرد البومة" – الذي كشفت أبحاث 2023 عن امتلاكه نظاماً بصرياً يتحدى كل المفاهيم البيولوجية. بينما يتحول عالمنا لظلالٍ رمادية عند الغسق، يكتشف هذا الكائن درجاتٍ من الألوان في ظلام يُعادل 0.001% من ضوء النهار! كيف استطاع التطور أن يمنحه هذه القوة الخارقة؟ وما الأسرار التي قد يخبرنا بها عن مستقبل الرؤية الليلية؟

الفصل الأول: تشريح العين الخارقة.. تصميمٌ يفوق أحدث كاميرات العالم

شبكية مُهندَسة بدقة ليزرية:

تحتوي عين القرد الليلي على 5 ملايين خلية مخروطية (مقارنة بـ 6 ملايين في عين الإنسان)، لكن بتوزيعٍ مختلف: 80% منها متخصصة في الرؤية الليلية.

اكتشف باحثون من معهد ماكس بلانك (2024) وجود مستقبلات ضوئية هجينة تجمع بين حساسية الخلايا العصوية ودقة التمييز اللوني للخلايا المخروطية.

العدسة السحرية:

قرنية العين تُضخّم الضوء بـ 130 مرة عبر تركيب بلوري فريد، يشبه تقنية "العدسة السائلة" في الكاميرات الحديثة، لكن بشكل طبيعي.

مقلة العين تشغل 60% من حجم الجمجمة (النسبة الأعلى بين الثدييات)، مما يخلق تأثير "التلسكوب الحيوي".

الفصل الثاني: التطور العكسي.. لماذا فضّلت الطبيعة الألوان على البصر الحاد؟

الفرضية الغذائية:
دراسة في "ساينس" (2023) تثبت أن القدرة على تمييز ألوان الثمار في الظلام تمنح القرد الليلي تفوقاً غذائياً بنسبة 70% مقارنة بالحيوانات الليلية الأخرى. التجربة: عند تعتيم غرفة تحتوي على فاكهة ملوّنة، نجح في تحديد الثمار الناضجة بنسبة 89%، بينما فشلت القطط تماماً.

حرب الألوان الچنسية:
الذكور تمتلك خطوطاً وجهية فسفورية تظهر فقط تحت أطوال موجية محددة. الإناث تستطيع رؤية هذه "الرسائل السرية" ليلاً، بينما تفشل الحيوانات المفترسة في اكتشافها، وفقاً لبحث من جامعة كامبريدج.

الفصل الثالث: ثورة التكنولوجيا الحيوية.. كيف نسرق أسرار العين الليلية؟

كاميرات الرؤية الليلية الملونة:
شركة "نيوكتا" تطور كاميرا مستوحاة من تركيب الشبكية الهجين، قادرة على عرض ألوان حقيقية بضوء 0.01 لوكس (أضعف 1000 مرة من الشمعة العادية).

العلاج الجيني للعمى الليلي:
تجارب سريرية في اليابان تستخدم جينات مستقبلات الضوء الهجينة من القرد الليلي لعلاج البشر الذين يعانون من "العشى الليلي الكلي"، مع نتائج واعدة في استعادة 30% من الرؤية اللونية الليلية.

الفصل الرابع: الثقافة مقابل العلم.. الأساطير التي سبقت الاكتشافات

أسطورة "الشامان ذو العينين الزرقاوين":
لدى قبائل "التوكانو" في كولومبيا اعتقاد بأن أرواح الأسلاف تتجسد في قرود البومة، حيث يمكنها رؤية خطايا البشر عبر ألوان هالاتهم الليلية.

اللغز الذي حير داروين:
في مذكراته عام 1832، وصف داروين مشاهدته لقرود البومة وهي تتجنب فخاخاً مموهةً بألوان محددة ليلاً، وتساءل: "كيف ترى ما لا نراه؟". الإجابة جاءت بعد 191 عاماً بفضل مجهرية الإلكترون!

الفصل الخامس: معضلة الحفاظ على الكائن الخارق.. هل نحن أمام "حرباء العصر الحديث"؟

التهديدات غير المرئية:

التلوث الضوئي من المدن القريبة يُعطل نظام الرؤية الدقيق، مما أدى لانخفاض أعدادها 40% في كولومبيا خلال عقد.

الصيد الجائر للحصول على عيونها التي تباع في السوق السوداء كـ"تمائم رؤية ليلية".

مشروع "الليل الأصلي":
منظمة "ناشونال جيوغرافيك" تطلق مبادرة لإنشاء ممرات مظلمة بالكامل في غابات الأمازون، باستخدام إضاءة حمراء طويلة الموجة لا تؤثر على رؤية القرود.

الخاتمة: هل نحن العميان الحقيقيون؟

قرد البومة يعلمنا أن العالم الذي نعتقد أننا نعرفه مليءٌ بألوانٍ خفيةٍ تنتظر من يكتشفها. ربما يومٌ ما، عندما نتمكن من رؤية الليل كما يراه، سندرك أن الظلام ليس غياباً للضوء، بل بوابةٌ لعالمٍ موازٍ من الألوان السرية. السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لرؤية ما قد تكشفه لنا هذه البوابة؟