رجل يعيش ٤٠ عامًا بقلب من خزف

"رجل بقلب من خزف: 40 عامًا من الحياة على إيقاعٍ غير مألوف"
في زمنٍ يتغير فيه الطب بسرعة الضوء، تبقى بعض القصص شاهدة على قدرة الإنسان على التكيّف والنجاة، حتى في أكثر الظروف غرابة. إحدى هذه القصص النادرة والمذهلة هي قصة رجل عاش لأكثر من أربعة عقود بقلب ليس من لحم ودم، بل من... خزف.
قصةٌ أقرب إلى الخيال العلمي، لكنها حقيقية تمامًا، تثير تساؤلات عميقة حول حدود الجسد البشري، وأين يمكن أن تصل التكنولوجيا عندما تتلاقى الحاجة مع الابتكار.
البداية: مرض نادر وقلبٌ مهدد
بدأت القصة في سبعينيات القرن الماضي، حين تم تشخيص الرجل — وكان في العشرينات من عمره حينها — بحالة نادرة من فشل القلب المتقدم. لم يكن في وقته الحلول الحديثة كزراعة القلب متاحة بشكل واسع، وكان أمامه احتمالان: إما المۏت البطيء، أو المخاطرة بحلٍ غير تقليدي تمامًا.
قرر الأطباء، ضمن مشروع تجريبي طموح، أن يستبدلوا قلبه الطبيعي بنظام صناعي صُنع جزئيًا من مادة الخزف الطبي، وهي مادة تُعرف بقوتها ومقاومتها العالية للتآكل والاحتكاك. لم يكن القلب الصناعي كاملاً كما نراه اليوم، بل كان أقرب إلى مضخة ميكانيكية مع صمامات خزفية، تُركب داخل الصدر وتُربط بجهاز خارجي يضبط الإيقاع ويزوده بالطاقة.
وهكذا، بدأ هذا الرجل حياة جديدة — لا تعتمد على نبض القلب كما نعرفه، بل على ضخ صناعي مستمر للدم.
قلب بلا نبض... حياة بلا توقف
واحدة من أغرب تفاصيل حياة هذا الرجل أن جسده لم يُظهر أي نبض. لا يمكن قياس دقات قلبه، ولا حتى استخدام السماعة الطبية لسماع أي خفقان. كان يعيش بما يشبه الدورة الدموية المستمرة، بفضل ضخ آلي يحاكي وظيفة القلب دون إيقاع.
ورغم هذه الغرابة، فقد عاش حياة شبه طبيعية: تنقل، عمل، وأقام علاقات اجتماعية. لكنه كان دائم التعايش مع وجود الجهاز الخارجي، الذي يحمله كحقيبة، ويحتوي البطاريات والأنظمة الحيوية لضمان استمرار الضخ.
الخزف في قلب الطب
ربما تتساءل: لماذا الخزف؟ في الواقع، هذه المادة لا تُستخدم فقط في الفنون والديكور، بل أصبحت مكونًا مهمًا في التكنولوجيا الطبية الحديثة. فهي مقاومة للصدأ، لا تتفاعل مع السوائل الحيوية، وتدوم لعقود دون أن تتآكل. وقد استُخدمت في صمامات القلب، والمفاصل الصناعية، وحتى في زراعة الأسنان.
في حالة هذا الرجل، كانت الصمامات الخزفية هي سر النجاح، إذ منعت التجلطات، وقللت الحاجة للأدوية الثقيلة المضادة للتخثر.
40 عامًا من التحدي والدهشة
استمرت حياته بهذا القلب الفريد لأكثر من 40 عامًا، وهو رقم مذهل حتى بمقاييس اليوم. خلال تلك السنوات، تطورت أجهزة القلب الصناعي، وأصبح ما عاشه يُعد تمهيدًا لما سيأتي. لكنه ظل حالة نادرة تمثل قوة العزيمة وشجاعة التجربة، سواء من جهة الأطباء الذين خاطروا بحل غير مسبوق، أو من جهة المړيض الذي قبل أن يعيش على إيقاع ميكانيكي لا يعرف الراحة.
نهاية القصة... وبداية لإرث علمي
حين ټوفي الرجل في نهاية المطاف، لم يكن السبب قلبه الصناعي. بل ظل هذا القلب يعمل حتى آخر أيامه، شاهدًا على معجزة طبية سبقت زمانها. وقد تم حفظ أجزاء من الجهاز في متاحف طبية، ليبقى مصدر إلهام لطلاب الطب والباحثين، ودليلًا على ما يمكن للعلم أن يفعله حين يتحالف مع الجرأة.
ختامًا: هل نحن مستعدون لقلوب بلا نبض؟
قصة هذا الرجل تفتح أبوابًا للتأمل: هل مفهوم "القلب" لا يزال مرتبطًا بالخفقان؟ هل يمكن أن نعيش مستقبلًا بأجهزة تدفع الحياة في أجسادنا دون أن نشعر؟ وهل سنصل يومًا إلى أجساد نصفها بيولوجي ونصفها آلي؟
ربما نعم. لكن الأكيد أن هذا الرجل، الذي عاش بقلب من خزف، كان من أوائل من أثبتوا أن الإنسان ليس ما يحتويه جسده... بل ما يستطيع أن يحتمله ويؤمن به.