الفنانة التونسية مريم الضاوي تخلق أعمالًا فنية باستخدام الذكاء الاصطناعي.

موقع أيام تريندز

الفن في زمن الآلة... عندما تصير الخوارزميات فرشاة الفنان
في غمرة الثورة التكنولوجية التي تعيد تشكيل مفاهيم الإبداع، تبرز الفنانة التونسية مريم الضاوي كواحدة من الرواد العرب الذين يحولون الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى شريك في صنع الجمال. لا تكتفي الضاوي باستخدام التقنية كوسيط فني تقليدي، بل تدمجها في نسيج الهوية التونسية والعربية، لتخلق أعمالًا تتحدى الحدود بين التراث والمستقبل. هذا المقال يغوص في رحلتها الفريدة، مُحلِّلًا أبعادها الفنية والتقنية والثقافية، مع تسليط الضوء على الأسئلة الفلسفية التي تثيرها تجربتها.

الفصل الأول: الجذور... من تونس الخضراء إلى فضاءات الرقميات
1.1 النشأة والبيئة الثقافية
وُلدت مريم الضاوي في مدينة تطوان التونسية، التي تُعتبر ملتقى للحضارات الأمازيغية والعربية والمتوسطية. نَشأت في عائلة تشجع الفنون، حيث كان والدها مُهتمًا بالخط العربي، ووالدتها تُمارس النقش على الخشب. هذه البيئة غَرست فيها حبَّ الموروث الحرفي، لكن شغفها بالتكنولوجيا دفعها لدراسة الهندسة المعلوماتية في جامعة تونس المنار، حيث اكتشفت عالمَ البرمجة والخوارزميات.

1.2 التحول من الهندسة إلى الفن: نقطة الالتقاء
خلال عملها في مشروع تخرجها حول معالجة الصور الرقمية، لاحظت مريم كيف يمكن للخوارزميات أن تُعيد تفسير الأشكال بطريقة تشبه الخيال البشري. هنا، قررت أن تدمج مهاراتها التقنية مع شغفها الفني، لتبدأ رحلتها في استكشاف إمكانات الذكاء الاصطناعي في الفن.

2.2 دراسة حالة: عمل فني بعنوان "حوار الأجيال"
في هذا العمل، تستحضر الضاوي صورًا لنساء تونسيات من مختلف الحقب التاريخية، مُعاد تشكيلهن عبر خوارزمية تدمج ملامحهن مع رموز معاصرة مثل الرموز التعبيرية (Emojis) والرسوم البيانية الرقمية. العمل يطرح سؤالًا عن تأثير التكنولوجيا على الهوية النسوية في المجتمع العربي.

الفصل الثالث: الثيمات الجوهرية... سرد الهوية في عصر الآلة
3.1 إعادة تعريف التراث
تستخدم الضاوي الذكاء الاصطناعي لإحياء الحرف التقليدية التونسية، مثل الجلود المنقوشة والزرابي، عبر تحويلها إلى نماذج ثلاثية الأبعاد قابلة للتعديل رقميًا. في سلسلة "ذاكرة مُعاد تشفيرها"، تعيد بناء أنماط زخرفية تاريخية باستخدام خوارزميات التعرف على الأنماط، مما يكشف عن تشابهات مدهشة بين الفن الأمازيغي وفنون الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية.

3.2 الصراع بين الإنسان والآلة: هل الفن مقياس للذكاء؟
في مقابلة افتراضية (بناءً على تحليل خطاباتها)، تُعبر الضاوي عن رفضها لفكرة أن الذكاء الاصطناعي يُنافس الفنان، قائلة: "الخوارزمية كالريح... تحمل الألوان ولكنها لا تعرف إلى أين تذهب. الفنان هو من يبني الشراع." أعمالها تتعمد إبراز الأخطاء البصرية التي تولدها النماذج، كتذكير بدور الفنان في توجيه التقنية.

الفصل الرابع: التحديات والانتقادات... وجه آخر للعملة
4.1 إشكالية الأصالة: من يملك العمل الفني؟
واجهت الضاوي انتقادات من بعض الفنانين التقليديين الذين يرون أن استخدام الذكاء الاصطناعي يُفقد العمل "روح" صاحبه. ردًا على ذلك، شاركت في تأسيس مبادرة "شفرة مفتوحة" التي تُعلّم الشباب العربي كيفية توظيف التقنية مع الحفاظ على البصمة الفردية.

4.2 التحدي التقني: الفجوة الرقمية في العالم العربي
في حديثها عن معوقات العمل، تشير إلى صعوبة الوصول إلى حواسيب فائقة القوة، مما دفعها لابتكار أساليب بديلة، مثل استخدام الهواتف الذكية في تدريب النماذج البسيطة، وهو ما تُرجم إلى سلسلة أعمال بعنوان "فن من جيبك" نُشرت ككتاب تفاعلي عام 2023.

الفصل الخامس: التأثير العالمي... الفن العربي في الخريطة الرقمية
5.1 المعارض والجوائز
عرضت الضاوي أعمالها في بينالي البندقية 2022 كأول فنانة عربية تُخصص قسمًا كاملًا للفن بالذكاء الاصطناعي، وحصلت على جائزة "الإبداع الرقمي" من مؤسسة الشارقة للفنون في 2023. تُعتبر سلسلتها "هيروغليفيات حديثة" من أكثر الأعمال نقاشًا، حيث حوّلت الرموز التكنولوجية (مثل رموز البرمجة) إلى لوحات تشبه النقوش الفرعونية.

5.2 التعاونات الدولية: جسور بين التكنولوجيا والتراث
تعاونت مع متحف اللوفر أبوظبي على مشروع "الرحالة الرقمي"، الذي يستخدم الواقع الافتراضي لإعادة تصور رحلات ابن بطوطة عبر خوارزميات توليد النصوص والصور، مما يخلق حوارًا بين السرد التاريخي والخيال العلمي.

الخاتمة: مريم الضاوي... رائدة أم مُجربة؟ نحو مستقبل غير مُعلّب
تجربة مريم الضاوي لا تُختزل في كونها "فنانة تستخدم التكنولوجيا"، بل هي نموذج لفنانة عربية تعيد تشكيل أدوات العصر لصالح رؤية ثقافية مُتجددة. أعمالها تدفعنا للتساؤل: هل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي جسرًا لفهم أعمق للهوية بدلًا من طمسها؟ الجواب ربما يكمن في قدرة الفنانين على توظيف التقنية كمرآة تعكس تناقضاتنا وآمالنا، وهو ما تبدو الضاوي مُجيدة له.