قبيلة في إندونيسيا تحتفل بالمۏتى باحتفالات صاخبة كل 3 سنوات

موقع أيام تريندز

قبيلة توراجا في إندونيسيا: احتفالات صاخبة لتكريم المۏتى كل 3 سنوات
المقدمة
في جزيرة سولاويزي الإندونيسية، تعيش واحدة من أكثر القبائل تميزًا في العالم من حيث الثقافة والمعتقدات الجنائزية، وهي قبيلة توراجا (Toraja). تشتهر هذه القبيلة بطقوسها الجنائزية الفريدة، التي تُعتبر من أكثر الاحتفالات تعقيدًا وصخبًا في العالم. تقام هذه الطقوس كل 3 سنوات تقريبًا، وتجذب آلاف السياح والأنثروبولوجيين الذين يتوافدون لمشاهدة هذه التقاليد العريقة.

 لا تزال هذه الطقوس تُمارس بكامل تفاصيلها، رغم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في إندونيسيا.
في هذا التقرير المفصل، سنستعرض:
1. أصل وتاريخ قبيلة توراجا
2. المعتقدات الدينية والروحية للقبيلة
3. تفاصيل احتفالات المۏتى (رامبو سولوك)
4. التحضيرات والمراسم الجنائزية
5. دور المجتمع والسياحة في الحفاظ على التقاليد
6. التحديات المعاصرة التي تواجه ثقافة توراجا
1. أصل وتاريخ قبيلة توراجا
يعيش شعب توراجا في منطقة جبلية وعرة في جنوب سولاويزي، ويُعتقد أن أصولهم تعود إلى شعوب أسترونيزيان الذين هاجروا من تايوان والفلبين قبل آلاف السنين. كلمة "توراجا" مشتقة من اللغة البوقيسية (لغة شعب مجاور) وتعني "سكان الجبال" أو "الناس من أعلى".
كانت توراجا مجتمعًا منعزلاً حتى أوائل القرن العشرين، عندما بدأ الاحتكاك بالهولنديين المستعمرين والمبشرين المسيحيين. رغم ذلك، حافظ التوراجا على الكثير من معتقداتهم التقليدية، خاصة فيما يتعلق بطقوس المۏت.
2. المعتقدات الدينية والروحية للقبيلة
يتبع معظم شعب توراجا اليوم المسيحية (بروتستانتية بشكل رئيسي)، لكنهم يدمجونها مع معتقداتهم التقليدية المعروفة باسم "ألوك تودولو" (Aluk Todolo)، وهي ديانة تعتمد على عبادة الأسلاف والقوى الروحية.
وفقًا لمعتقداتهم:
- المۏت ليس النهاية، بل هو رحلة طويلة إلى "بويا" (العالم السفلي)، حيث يعيش الأسلاف.
- الروح تبقى في القرية حتى تكتمل مراسم الچنازة، والتي قد تستغرق أشهرًا أو سنوات.
- الاحتفالات الجنائزية ضرورية لضمان انتقال الروح بسلام إلى العالم الآخر.
3. احتفالات المۏتى: رامبو سولوك (Rambu Solok)
أشهر طقس لدى التوراجا هو "رامبو سولوك"، وهو احتفال جنائزي ضخم يُقام كل 3 سنوات تقريبًا (أحيانًا أكثر أو أقل حسب الظروف المالية للعائلة). هذه الاحتفالات تكون:
- صاخبة: تشمل الموسيقى والرقصات التقليدية.
- مكلفة: قد تصل تكلفتها إلى عشرات الآلاف من الدولارات.
- طويلة: تمتد لعدة أيام أو حتى أسابيع.
أهم مراحل الاحتفال:
أ. ما قبل الچنازة (حفظ الچثة)
- عندما ېموت شخص، لا يُدفن على الفور، بل يُحنَّط ويُحفظ في المنزل لعدة أشهر أو سنوات حتى تجمع العائلة الأموال اللازمة للجنازة.
- يُعتقد أن المتوفى "مريض" وليس ميتًا خلال هذه الفترة، ويُقدم له الطعام والشراب كالمعتاد.
ب. ذبح الجواميس والتضحيات
- تُذبح الجواميس المقدسة (حيوانات أساسية في الثقافة التوراجية) كتضحية لإرضاء الأرواح.
- كلما زاد عدد الجواميس المذبوحة، زادت مكانة المتوفى في العالم الآخر.
- يُعتقد أن الجواميس تساعد الروح في رحلتها إلى العالم السفلي.
ج. الرقصات والموسيقى التقليدية
- تؤدى رقصات مثل "باسونغ" و"ما’بادونغ"، حيث يرتدي المشاركون أزياء تقليدية ملونة.
- تُستخدم آلات موسيقية مثل "باقغو-باقغو" (طبول خشبية) و"سولينغ" (ناي خيزران).
د. وضع الچثة في الكهوف أو التوابيت الخشبية المنحوتة
- بعد الاحتفال، يُدفن المېت في مقاپر كهفية أو توابيت خشبية منحوتة تُسمى "إرونغ" (Erong)، توضع على منحدرات الجبال.
- تُنحت التوابيت بأشكال حيوانات أو رموز تقليدية.
- توضع دمى "تاو تاو" (Tau-Tau) التي تمثل المتوفى بالقرب من القپور.
4. التحضيرات والمراسم الجنائزية
أ. جمع التبرعات والتحضير المالي
- نظرًا للتكاليف الباهظة، تقوم العائلات بتوفير المال لسنوات، وأحيانًا تبيع الأراضي أو الماشية.
- يُعتبر الاحتفال الكبير علامة على المكانة الاجتماعية للعائلة.
ب. بناء الأبراج الجنائزية (لالانغ)
- تُبنى منصات خشبية ضخمة تُسمى "لالانغ" لإقامة الاحتفالات.
- تُزيَّن هذه الأبراج بأقمشة ملونة ورموز تقليدية.
ج. دعوة الضيوف من القرى المجاورة
- يُدعى مئات أو آلاف الأشخاص، ويُقدم لهم الطعام والشراب كجزء من الضيافة.
5. دور المجتمع والسياحة في الحفاظ على التقاليد
أصبحت طقوس توراجا وجهة سياحية عالمية، حيث يأتي الزوار لمشاهدة:
- مقاپر الكهوف في منطقة ليمبونغ (Lembang).
- القرى التقليدية مثل كيتي كيسو (Kete Kesu) وكانديران (Kandiran).
- المهرجانات السنوية مثل مهرجان توراجا الثقافي.
لكن السياحة لها تأثيرات سلبية أيضًا، مثل:
- التجارة غير الأخلاقية (بيع الجماجم أو الآثار).
- تغيير بعض الطقوس لجذب السياح.
6. التحديات المعاصرة التي تواجه ثقافة توراجا
رغم محاولات الحفاظ على التقاليد، تواجه توراجا تحديات مثل:
1. الهجرة إلى المدن: الشباب يتركون القرى للعمل، مما يقلل من ممارسة الطقوس.
2. التكاليف المرتفعة: بعض العائلات تتجه إلى جنازات أبسط بسبب الفقر.
3. التأثير المسيحي: بعض الكنائس تحظر الطقوس التقليدية باعتبارها "وثنية".
الخاتمة
تُظهِر قبيلة توراجا كيف يمكن للمۏت أن يكون احتفالًا بالحياة بدلاً من مجرد نهاية. رغم التحديات، لا تزال هذه التقاليد صامدة حتى عام 2025، وتُعدُّ تراثًا إنسانيًّا فريدًا يستحق الحماية. إذا زرت إندونيسيا، فلا تفوت فرصة حضور أحد هذه الاحتفالات الصاخبة التي تخلد ذكرى الأموات بطريقة لا مثيل لها في العالم!