نباتات تطورت لتتحدث عبر موجات فوق صوتية.. هل كانت تتواصل طوال الوقت دون أن نعلم

نباتات تطورت لتتحدث عبر موجات فوق صوتية.. هل كانت تتواصل طوال الوقت دون أن نعلم؟
لطالما ظن الإنسان أن النباتات كائنات صامتة، لا تملك سوى القدرة على النمو والتكاثر، دون أي تفاعل مع البيئة المحيطة بها. لكن الأبحاث الحديثة كشفت عن اكتشاف غير متوقع، إذ تبين أن النباتات قد تكون أكثر تواصلاً مما كنا نتصور، بل ربما كانت تتواصل طوال الوقت دون أن نعلم. كشف العلماء أن النباتات تصدر موجات فوق صوتية قد تغير بشكل جذري مفاهيمنا حول كيفية تفاعل هذه الكائنات الحية مع بيئتها ومع بعضها البعض.
كيف اكتشف العلماء التواصل الصوتي للنباتات؟
في دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة Cell العلمية، اكتشف العلماء أن بعض النباتات، مثل الطماطم والتبغ، تطلق أصواتًا فوق صوتية عندما تتعرض للضغط أو الإصابة. تتمثل هذه الأصوات في ترددات تتراوح بين 20 و100 كيلوهرتز، وهي ترددات تقع خارج نطاق السمع البشري، مما يجعلها غير قابلة للسمع بشكل طبيعي. هذا الاكتشاف فتح بابًا واسعًا من التساؤلات حول كيفية تأثير هذه الأصوات على النباتات المجاورة، وما إذا كانت هذه الأصوات تمثل وسيلة تحذير أو تواصل داخلي بين النباتات ضمن النظام البيئي.
الباحثون استخدموا ميكروفونات حساسة جدا لرصد هذه الأصوات، والنتائج اظهرت أن النباتات التي تعرضت للإجهاد (مثل الإصابة أو الضغط) ما بين 20 إلى 100 صوت اصدرت في الساعة صوت فوق صوتي . بالمقابل، كانت النباتات السليمة تصدر أقل من خمسة أصوات في الساعة. هذه الإحصائية أثارت العديد من التساؤلات حول كيفية تأثير هذه الأصوات على النباتات المجاورة، وهل يمكن أن تكون وسيلة تحذير أو تواصل مع النباتات الأخرى في بيئتها.
طبيعة هذه الأصوات.. ماذا تقول النباتات لبعضها؟
تبدو الأصوات التي تُصدرها النباتات عند تعرضها للإجهاد مشابهة لفرقعة صغيرة أو طقطقة، وهي أصوات لا يمكن للإنسان سماعها بسبب تردداتها التي تقع خارج نطاق سمعه. لكن الباحثين استخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه الأصوات وتمييزها، حيث وجدوا أن كل نوع نباتي يمتلك "بصمة صوتية" فريدة. هذا يشير إلى أن النباتات قد تكون قادرة على تمييز بعضها البعض والتفاعل عبر هذه الأصوات.
التفسير الأولي لهذه الأصوات يشير إلى أنها قد تكون إشارات تحذيرية للنباتات المجاورة في حال تعرضها للإصابة أو الضغط. كما يُحتمل أن تكون هذه الأصوات نداءات لجذب الحشرات المفيدة مثل النحل والفراشات التي تساعد في عملية التلقيح. من خلال هذا التواصل الصوتي، يمكن أن تساهم النباتات في حماية نفسها وتعزيز فرصتها في البقاء عبر جذب الكائنات الحية التي تسهم في نموها.
هل النباتات الأخرى والحيوانات تسمع هذه الأصوات؟
مع استمرار الدراسات، تشير بعض الأبحاث إلى أن بعض الحيوانات، مثل الخفافيش والفئران، قد تكون قادرة على سماع هذه الأصوات بسبب قدرتها على استشعار الترددات فوق الصوتية. وهذا قد يعني أن النباتات قد تساهم في إرسال إشارات أو تنبيهات إلى هذه الحيوانات، وهي إشارات تبقى غير مرئية للبشر. من المحتمل أن تكون هذه الأصوات بمثابة تواصل بين النباتات والحيوانات بشكل لم نكن نتخيله من قبل.
كما يُحتمل أن النباتات نفسها قد تكون قادرة على "الاستماع" إلى هذه الإشارات الصوتية عبر ميكانيزمات حسية لم تُكتشف بعد. هذا الاكتشاف يفتح المجال لمزيد من الأبحاث لفهم كيف يمكن للنباتات التفاعل مع بعضها البعض ومع بيئتها باستخدام هذه الأصوات، وهو ما قد يكشف لنا أسرارًا جديدة عن طريقة تفاعل النباتات في نظامها البيئي.
تطبيقات مستقبلية: الزراعة الذكية عبر "الاستماع" للنباتات
من الأمور المٹيرة التي قد تنشأ من هذه الاكتشافات، هو إمكانية استخدامها في تطوير تقنيات الزراعة الذكية. قد تصبح هذه الاكتشافات محورية في تحسين ممارسات الزراعة عبر الاستماع إلى النباتات، باستخدام أجهزة استشعار متطورة قادرة على رصد الأصوات التي تصدرها وتحليلها. قد يساعد ذلك المزارعين في مراقبة صحة المحاصيل والتعرف على احتياجاتها من المياه أو تعرضها للإجهاد أو الأمراض.
في المستقبل القريب، قد يتمكن مزارعو الطماطم، على سبيل المثال، من "الاستماع" إلى حقولهم لمعرفة متى تحتاج النباتات إلى الري، وذلك دون الحاجة إلى فحص التربة يدويًا. هذه التقنية قد تُحسن كفاءة استخدام المياه وتقليل الاعتماد على المبيدات الحشرية، ما يساهم في تقليل الأثر البيئي لهذه الممارسات الزراعية. هذه التطبيقات المستقبلية قد تؤدي إلى ثورة حقيقية في عالم الزراعة، مما يحسن الإنتاجية ويقلل من الفاقد.
خاتمة
بات من الواضح أن النباتات ليست صامتة كما كنا نعتقد، وأن التواصل بينها كان يحدث طوال الوقت، ولكن بترددات لم نتمكن من سماعها. هذه الاكتشافات تفتح لنا آفاقًا جديدة لفهم كيفية تفاعل الكائنات الحية مع بعضها البعض ومع بيئتها. إن إعادة النظر في تصورنا للنباتات باعتبارها كائنات صامتة قد تغير بشكل جذري فهمنا للعالم الطبيعي، وتفتح المجال لتطبيقات جديدة في الزراعة والبيئة قد تغير حياتنا اليومية.