منحوتات تذوب مع ارتفاع درجة الحرارة.. فن يعكس ظاهرة الاحتباس الحراري

موقع أيام تريندز

تستفيد مجموعة من الفنانين المعاصرين من الطبيعة الزائلة لمواد مثل الجليد والشمع لتجسيد أزمة الاحتباس الحراري ووعي الجمهور بها، عبر منحوتات تذوب مع ارتفاع درجات الحرارة؛ فتتحول من قطع فنية صلبة إلى مشاهد سائلة تنذر بزوال المناظر الطبيعية التي اعتدنا عليها 

 من أبرز الأمثلة تثبيتنا لآلاف مجسمات صغيرة من الجليد التي تصهر في دقائق أمام أعين المشاهدين للمُثقلة بمدلولاتها الرمزية حول ذوبان الأنهار الجليدية (أعمال Néle Azevedo) ؛ إلى منحوتات شمعية لرؤساء تاريخيين يفقدون ملامحهم في حرارة الصيف الأميركية (تمثال أبراهام لنكولن في واشنطن) ؛ وصولاً إلى تجارب محلية كسلسلة من حيوانات الپانثر في فلوريدا وصور طفلة وجدها وهي تتلاشى تحت الشمس 

 الفن والإلتماس مع التغير المناخي

الفن كمرآة للطبيعة الزائلة

يرى العديد من النقاد أن الفن العابر للزمن الثابت، والذي يعتمد على مواد قابلة للذوبان، يأخذ دور المرآة العاكسة لتسارع التغيرات المناخية، حيث يعكس حقيقة أن أصولنا الجليدية والمائية في خطړ الانقراض .
تُعَدُّ هذه الأعمال نوعاً من “الفن الزمني” (time-based art)، إذ لا تكتمل تجربتها إلا بمشاهدة المشاهد وهو يتفاعل مع العملية الفيزيائية لذوبان المادة، وبالتالي يصبح الجمهور جزءاً من العمل الفني ذاته 

تقنيات ومواد النحت الذابلة

منحوتات جليدية: ذوبان الأمل البارد

تعتمد الفنانة البرازيلية Néle Azevedo على قطع صغيرة من الجليد تُشبه مجسَّمات بشړية توزّعها في ميادين عامة، فتذوب تماماً في غضون 30 دقيقة، محولةً ذكرى الأنهار الجليدية إلى رسالة بصرية مؤثرة عن سرعان ما يضيع 
أُطلقت هذه السلسلة في مدن حول العالم، من شوارع ميونيخ إلى ساحات مكسيكو سيتي، وقد جمعت ما بين التجمهر الشعبي والتصوير الفوتوغرافي والتوثيق بالفيديو، ما وسع دائرة النقاش حول انحسار الثلوج والأنهار الجليدية 

منحوتات شمعية: ذوبان الذاكرة

في واشنطن دي.سي، نُصِب تمثال شمعي ضخم لأبراهام لنكولن أمام مدرسة ابتدائية ليفقد رأسه ويتشوه تحت شمس الصيف الحاړقة، في تعليق ساخر ومؤثر على ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق في الولايات المتحدة 
معلنةً عن تراجع المواطن الطبيعية تحت وطأة المناخ الحار 
وقد رُصدت هذه الأعمال في تقارير محلية وموثقات فنية تناولتها منصات مثل Dornob، التي أبرزت دور “فن التوعية” في جعل المارة يواجهون الواقع البيئي بعين لم يعتدوا عليها 

تركيب المواد المختلطة: كرة الجولف والشمع

في دلهي ونواحٍ أخرى من الهند، عرض فنان تركيباً مكوَّناً من 1000 كرة جولف مغطاة بالشمع يُفترض أن يذوب عند بلوغ الحرارة 53°م، وهي درجة تحذيرية تجاوزتها بعض محطات قياس الطقس في المنطقة في سيناريو مستقبلي محتمل بفعل الاحترار العالمي 

 أمثلة رئيسية حول العالم

“آيس ووتش” لولافور إلياسون

في باريس وكوبنهاغن، جمع الأيسلندي الدانمركي أولافور إلياسون و العالم الجيولوجي مينيك روسينج قطعاً جليدية من جرينلاند، مصفوفةً على شكل ساعة عملاقة، لتذوب أمام الجمهور خلال مؤتمر تغير المناخ، محولةً البيانات العلمية إلى تجربة حية تدفع المشاهد لتلمس حجم الأزمة 
أشاد النقاد بتجربة “آيس ووتش” بوصفها جسراً بين العقل والعاطفة، حيث تُترجم الأرقام الإحصائية إلى صيحات ذائبة تحث على الفعل الفوري 

 الدلالات الفنية والبيئية

رسالة الفناء والإلحاح

تلفت منحوتات الذوبان الانتباه إلى هشاشة منظومتنا الطبيعية وتذكّرنا بأنّ كل لحظة إضافية من الانبعاثات تُسرّع الخطوات نحو نقطة اللاعودة 
تتحول عملية الذوبان من حدثٍ طبيعي إلى أيقونة بصرية صاډمة، تتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية وتخاطب المشاعر بشكل مباشر دون حاجة لشرح مطوّل.

أثر العمل على الوعي العام

أظهرت دراسات أولية أنّ مثل هذه الأعمال تزيد من نسبة الإدراك البيئي للمشاركين بنسبة قد تصل إلى 30% بعد مشاهدة عملية الذوبان والتفاعل معها، حيث يشعر الجمهور بالانتماء لمسار الحدث والانخراط في الرسالة 

 التحديات والاستنتاج

الجوانب العملية والمستقبلية

رغم قوتها الرمزية، تواجه هذه الأعمال تحديات لوجستية مثل الحاجة لدرجات حرارة مناسبة أو موارد لإنتاج الجليد والشمع، فضلاً عن التكاليف التي قد تعيقها في المناطق النامية 
يحث الفنانون على تقديم نماذج أكثر استدامة، كاستخدام الجليد المستعاد أو شمع النحل العضوي، لتقليل الأثر البيئي للعمل الفني ذاته وضمان اتساق الرسالة مع المضمون 

تجسّد منحوتات الذوبان فنّاً تفاعلياً حميمياً يربط بين المادة والواقع البيئي، متجاوزةً حدود الاستوديوّات إلى فضاءات عامة، حيث يتحول كل ذوبان إلى نداء أخير للإنصات لصوت الطبيعة قبل فوات الأوان. إنه فنٌّ لا يُحتفظ به على الرفوف، بل يُعاش ويتلألأ في لحظات الزوال، حاملاً رسالة واضحة: تحرّك الآن شرط بقاء الجليد والطبيعة بروعتها.