سمكة تتنفس هواءاً وتعيش أشهراً خارج الماء.. كيف تفعل ذلك

سمكة تتنفس الهواء وتعيش أشهرًا خارج الماء: معجزة بيولوجية تحيّر العلماء
في عالم الكائنات الحية، لا تزال الطبيعة تفاجئنا بقدرات خارقة تتحدى المنطق، ومن بين هذه الظواهر المٹيرة، برزت سمكة غريبة قادرة على التنفس خارج الماء والعيش لأشهر على اليابسة، في سلوك فريد حيّر العلماء وأثار اهتمام البيولوجيين حول العالم.
"السمكة الرئوية": اسم على مسمّى
تُعرف هذه السمكة باسم "السمكة الرئوية الإفريقية" (African Lungfish)، وتنتمي إلى فصيلة نادرة من الأسماك تعود في أصولها إلى عصور ما قبل التاريخ. وما يميز هذه السمكة عن غيرها هو امتلاكها لرئتين بدائيتين بالإضافة إلى الخياشيم، ما يمكّنها من استنشاق الهواء الجوي مباشرةً.
تعيش هذه السمكة في الأنهار والبرك المؤقتة في مناطق جنوب وشرق أفريقيا، حيث تتكرر فترات الجفاف بشكل موسمي. وعندما تجف المياه تمامًا، لا ټموت السمكة كما هو متوقع، بل تدخل في حالة من "البيات الصيفي"، وهو شبيه بما تقوم به بعض الزواحف أو الحيوانات البرية خلال فصول الجفاف أو البرد القارس.
كيف تنجو خارج الماء؟
عندما تبدأ مستويات المياه في الانخفاض، تقوم السمكة الرئوية بحفر حفرة في الطين مستخدمة زعانفها القوية، وتغوص فيها حتى تغطى بالكامل. بعد ذلك، تفرز مادة مخاطية تغلف جسدها بالكامل، فتشكل شرنقة واقية تحفظ الرطوبة وتمنع تبخر الماء من جسدها.
داخل هذه الشرنقة، تبطئ السمكة من معدل الأيض (التمثيل الغذائي) لديها إلى حدّه الأدنى، وتقلّ حركة جسدها إلى الصفر تقريبًا، فلا تأكل ولا تشرب، بل تعيش على مخزونها الداخلي. ومن خلال فتحة صغيرة عند مقدمة الشرنقة، تستنشق السمكة الهواء مباشرة عبر رئتيها، وهو ما يمكنها من البقاء حيّة لأشهر، بل في بعض الحالات حتى ثلاث سنوات، إلى أن تعود الأمطار وتملأ البرك من جديد.
دراسة علمية: قدرات مذهلة وتطبيقات محتملة
في دراسة نُشرت بمجلة Nature العلمية، وصف باحثون من جامعة شيكاغو السمكة الرئوية بأنها "واحدة من أقرب الكائنات الحية إلى المرحلة الانتقالية بين الكائنات المائية والبرية". ويعتقد العلماء أن دراسة هذه السمكة قد تساعد في فهم كيفية تطوّر الحيوانات من بيئات مائية إلى أرضية خلال العصور السحيقة.
كما أن لهذه القدرة على "النجاة في الظروف القاسېة" تطبيقات مستقبلية محتملة في علوم الفضاء والطب. يتساءل بعض الباحثين إن كان من الممكن محاكاة هذه الآلية البيولوجية لحفظ الخلايا البشرية أو حتى إرسال الكائنات الحية إلى الفضاء في حالة سبات مشابه.
ردود فعل على وسائل التواصل: هل هذه سمكة أم مخلوق فضائي؟
انتشرت لقطات مصوّرة لهذه السمكة وهي "تستفيق" من سباتها الطيني بسرعة كبيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أبدى المستخدمون دهشتهم من هذا الكائن العجيب. أحدهم علّق مازحًا: "هذا ليس حيوانًا.. هذه آلة مصمّمة للبقاء!" بينما كتب آخر: "وكأننا نشاهد فيلم خيال علمي، لكنّه من صنع الطبيعة."
الطبيعة لا تتوقف عن الإدهاش
ليست السمكة الرئوية وحدها من تتقن فنون البقاء، لكنّها تظلّ واحدة من أبرز الأمثلة على مرونة الحياة وتكيّفها في وجه أقسى الظروف. في وقت تتعرض فيه الطبيعة لضغوط بيئية متزايدة، تذكّرنا هذه الكائنات العجيبة بأن أسرار الحياة لا تزال بعيدة عن الفهم الكامل، وأن كل مخلوق، مهما بدا بسيطًا، يخفي وراءه قصّةً مذهلة تنتظر أن تُروى.