الرقص على الجمر في اليونان طقس قديم لا يزال حياً

موقع أيام تريندز

في أعماق شمال اليونان وتحديدا في قرى مثل لانغاداس وأيا إليني يتوارث السكان طقسا فريدا يعرف بالرقص على الجمر وهو تقليد شعبي متجذر يتحدى الزمن والڼار ويجمع بين الإيمان والهوية الثقافية.
يقام طقس أنستيناريا سنويا خلال شهر مايو تزامنا مع عيد القديسين قسطنطين وهيلانة حيث يحتشد الأهالي في الساحات العامة لإحياء هذا الطقس العريق. بعد صيام وصلوات وتمهيدات روحية ينطلق المشاركون حفاة الأقدام إلى ساحة الجمر المتقد حيث يرقصون فوق الفحم المشتعل على إيقاع الطبول التقليدية في مشهد يجسد مزيجا من التجلي الروحي والتحدي الجسدي.
الغريب أن هؤلاء الراقصين لا تظهر عليهم آثار الحروق أو الألم مما يضفي على الطقس هالة من الغموض والقدسية ويفتح الباب لتساؤلات علمية وثقافية حول أسراره.
على الرغم من ارتباط الطقس بالمسيحية فإن أصوله تعود إلى ما قبل المسيحية ويعتقد أنه امتداد لطقوس وثنية قديمة كانت تقام تكريما للإله ديونيسوس. ومع تحول اليونان إلى الديانة المسيحية تم دمج الطقس ضمن المناسبات الدينية ليأخذ شكلا جديدا دون أن يفقد جوهره الطقسي.
هذا التمازج بين القديم والجديد بين الوثني والمسيحي يكشف عن مرونة الثقافة الشعبية في الحفاظ على طقوسها عبر العصور وتحويلها إلى رموز للهوية الجماعية.
أثار هذا الطقس اهتمام علماء النفس والأنثروبولوجيا الذين حاولوا تفسير قدرة المشاركين على المشي فوق الجمر دون أن يصابوا بالأڈى. بعضهم يرجح أنهم يدخلون في حالة وعي متحولة بفعل الإيقاع والمعتقد تجعلهم يتجاوزون الشعور بالألم. آخرون يشيرون إلى تقنيات فسيولوجية في توزيع الوزن أو سرعة الحركة فوق الجمر تقلل خطړ الحروق.
لكن بالنسبة لأهالي القرى فالأمر لا يخضع للعلم بل للإيمان والتقليد إذ يمنع الغرباء من المشاركة دون الاستعداد الروحي والتنشئة الطقسية التي تبدأ منذ الطفولة.
رغم التغيرات الاجتماعية وتراجع عدد الممارسين لا يزال طقس الرقص على الجمر يقام سنويا بكل تفاصيله التقليدية. وقد بدأ يلفت أنظار السياح والباحثين من مختلف أنحاء العالم مما ساعد في الحفاظ عليه من الانقراض بل ورفعه إلى مستوى التراث الثقافي غير المادي.
الرقص على الجمر في اليونان ليس مجرد عرض شعبي بل طقس هوية وذاكرة جمعية يعكس تمسك القرى اليونانية بتراثها الروحي والثقافي. في زمن تتآكل فيه الطقوس أمام الحداثة تبقى هذه الڼار المتقدة رمزا حيا لعقيدة تتوارثها الأقدام لا الكلمات وتحملها الأرواح لا الشرح.