تقدم كبير في علاج السكري: خلايا جذعية تنتج الإنسولين ذاتياً

ثورة الخلايا الجذعية هل بدأ عصر التحرر من الإنسولين
منذ اكتشاف مرض السكري والبشر في سباق مع الزمن للعثور على علاج نهائي له تماما كما يسابق المرء شهيته على قطعة كنافة بعد وجبة دسمة. مرض السكري خصوصا النوع الأول لا يرحم ويجعل صاحبه في علاقة دائمة مع الإبر الأجهزة وحسابات الكربوهيدرات. لكن يبدو أن الأمل عاد ليرتدي معطف المختبر ويطرق باب الحل عبر الخلايا الجذعية.
لنرجع خطوة للوراء ما هو السكري من النوع الأول
باختصار هذا المړض يحصل عندما يقرر جهاز المناعة أن خلايا بيتا الموجودة في البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الإنسولين هي أعداء للدولة ويبدأ بمطاردتها وتصفيتها. النتيجة الجسم يتوقف عن إنتاج الإنسولين والعلاج يصبح دائما خارجيا إبر يومية أو مضخة أو حتى رقاقات إلكترونية.
العلماء ظلوا لسنوات يحاولون إقناع الجسم أن يتوقف عن هذا الھجوم أو على الأقل إيجاد طريقة لتعويض خلايا بيتا. لكن خلايا بيتا مثل الأصدقاء الصادقين لا يمكن إيجاد بدائلهم بسهولة. حتى جاء أحدهم بفكرة جامحة لماذا لا ننشئ خلايا بيتا جديدة من الصفر من خلايا جذعية
الخلايا الجذعية يا سادة هي مثل عجينة سحرية يمكن تشكيلها إلى أي نوع من الخلايا عضلية دموية عصبية أو حتى خلايا منتجة للإنسولين. الفكرة بسيطة على الورق لكنها معقدة في التنفيذ. أن تجعل خلية لا تعرف شيئا عن البنكرياس تتحول إلى خلية بيتا وتؤدي وظيفتها بكفاءة هو أشبه بجعل طائر الزينة يغني أوبرا.
لكن العلم أصر ونجح.
في السنوات الأخيرة بدأت تجارب حقيقية تظهر نتائج مبهرة. إحدى الشركات طورت خلايا جذعية خاصة تزرع في جسم المړيض داخل كبسولات صغيرة تحميها من الجهاز المناعي وتقوم بإفراز الإنسولين عند الحاجة. وفي بعض الحالات تم استغناء المرضى عن الإنسولين الخارجي لفترات طويلة.
لنتوقف هنا لحظة ونتخيل مشهدا من المستقبل
شخص مصاپ بالسكري يدخل عيادة يجلس بهدوء يخضع لإجراء بسيط وتزرع في جسده خلايا بيتا جديدة. بعدها يذهب ليأكل وجبة فيها رز وبطاطا وكوب عصير دون أن يفكر في كم وحدة إنسولين يحتاج أو إن كان سينخفض سكره منتصف الليل.
هذا المشهد لم يعد خيالا علميا.
بعض المرضى في التجارب السريرية بدأوا في إنتاج الإنسولين طبيعيا. لا مضخات لا أجهزة قياس مستمرة لا قلق دائم. حتى أن البعض منهم عبر عن مشاعره وكأن الحياة بدأت من جديد من دون شبح السكر الذي يرافقهم كظل ثقيل منذ الطفولة.
لكن قبل أن نبدأ في توزيع الحلوى احتفالا هناك بعض التحديات.
أولا زرع الخلايا يتطلب حماية من جهاز المناعة وإلا سيعتبرها الجسم دخيلة ويهاجمها كما هاجم الخلايا الأصلية. ولهذا بعض المرضى يحتاجون إلى أدوية مثبطة للمناعة وهي ليست دائما الخيار الأفضل على المدى الطويل.
ثانيا إنتاج هذه الخلايا بكميات كبيرة وجودة عالية ليس أمرا سهلا. تخيل أن تنتج ملايين الخلايا الجذعية ثم تحولها إلى خلايا بيتا دقيقة ثم تغلفها وتحميها وكل ذلك يجب أن يتم بدقة واحتراف.
لكن رغم هذه العقبات الأمل يزداد.
التقنية تتحسن. الباحثون يطورون طرقا جديدة لتقليل الحاجة إلى مثبطات المناعة. بعض التجارب تستخدم خلايا مأخوذة من المړيض نفسه ما يقلل احتمال الرفض. وهناك أبحاث واعدة تهدف إلى دمج هذه الخلايا مع تقنيات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي لمراقبة أداء الخلايا المزروعة.
إذن نحن لا نتحدث فقط عن علاج محتمل للسكري بل عن بداية عهد جديد في الطب. عصر يمكن فيه إصلاح الخلل بدلا من التعايش معه فقط. عصر تتحول فيه الخلايا إلى أدوات قابلة لإعادة البرمجة.
وتخيل معي في المستقبل أن تذهب إلى الطبيب وتقول لدي سكري فيرد الطبيب سنقوم بترقية خلاياك! كما لو كنت تحدث خبير صيانة في متجر هواتف!
بعيدا عن المزاح هذا التقدم لا يعيد الأمل للمرضى فحسب بل يفتح أبوابا جديدة لفهم الجسم البشري بطريقة أكثر ديناميكية. بدلا من قمع الأعراض نعود إلى الجذر إلى الخلية ونعيد تشكيلها لتصلح الخطأ.
هذا التحول في التفكير الطبي هو ما يجعلنا متفائلين. ليس فقط لمرضى السكري بل لكل من يعاني من أمراض مزمنة سببها خلل في نوع معين من الخلايا.
الخلايا الجذعية قد تكون المفتاح والمفتاح وجد. بقي فقط أن نجد القفل المناسب ونصمم المفتاح النهائي بدقة.
وفي الختام لا نريد أن نرسم صورة وردية خالية من التحديات ولكن ما يحدث الآن في مختبرات العالم يجعلنا نؤمن أن السكري من النوع الأول لم يعد مرضا بلا نهاية بل حالة في طريقها لأن تصبح من الماضي.
وقد يأتي يوم ليس ببعيد نضع فيه حقن الإنسولين على الرف بجانب الراديو القديم ونقول كنا نستعمل هذه من قبل... أما الآن فالجسم يصنع الإنسولين بنفسه. كما يجب.