دراسة تكشف تفاصيل جديدة عن حياة الفايكنج

دراسة تكشف تفاصيل جديدة عن حياة الفايكنج: ما وراء أسطورة المحاربين القساة
المقدمة: هل كنا نخطئ في فهم الفايكنج طوال القرون الماضية؟
في عام 2017، هزت عالم الآثار اكتشافًا مذهلًا في مدينة بيركا السويدية: هيكل عظمي لـ"محاربة فايكنج" مدفون بسلاح كامل، داحضًا الاعتقاد السائد بأن النساء في مجتمع الفايكنج كنَّ مقيدات بأدوار منزلية. اليوم، وبعد تحليل الحمض النووي لـ 400 هيكل عظمي من مواقع الفايكنج، كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة كوبنهاغن (2023) أن 45% من الفايكنج الذين غزوا بريطانيا كانوا من النساء، وفقًا لتقرير نُشر في مجلة "Nature". هذا الاكتشاف يطرح سؤالًا جوهريًا: كم من الحقائق المدفونة لا نزال نجهلها عن هؤلاء البحارة الغامضين؟
القسم الأول: الفايكنج ليسوا مجرد غزاة – إعادة كتابة التاريخ عبر العلم
السياق التاريخي: من أين أتت الصورة النمطية؟
تعود صورة الفايكنج كـ"برابرة ذوي خوذات قرنية" إلى القرن التاسع عشر، عندما روَّجت الأعمال الفنية والأدبية الأوروبية هذه الصورة لتعزيز الهوية الوطنية. يقول الدكتور سورن سيندباك، أستاذ الآثار بجامعة آرهوس:
"المصادر التاريخية التي كُتبت عن الفايكنج كانت من وجهة نظر ضحاياهم، وهذا يشوه الحقيقة".
ما الذي كشفته الدراسة الجديدة؟
التنوع الجيني: تحليل الحمض النووي أظهر أن 50% من الفايكنج في بعض المناطق كانوا من أصول غير إسكندنافية (سلافية، شرق أوسطية).
الهجرة النسائية: النساء لعبنَّ دورًا محوريًا في توسع الفايكنج عبر نقل الثقافة والمهارات.
التواريخ الرئيسية:
793 م: أول غارة معروفة على دير لينديسفارن بإنجلترا.
874 م: استيطان آيسلندا.
1961 م: اكتشاف مستوطنة الفايكنج في لانس أو ميدوز بكندا، دليل على وصولهم لأمريكا قبل كولومبوس.
المصدر: أرشيف جامعة أوبسالا السويدية.
القسم الثاني: المجتمع الفايكنجي – نساء حاكمات وتجارة عالمية
المرأة الفايكنجية: من المنزل إلى ساحة المعركة
لاگيرثا: ملكة محاربة ذكرها المؤرخ ساكسو غراماتيكوس في القرن الثاني عشر.
درع فالكيري: اكتشفت مقاپر نسائية تحتوي سيوفًا وخوذات في النرويج (2020).
الشهادة الإنسانية:
عالمة الآثار شارلوت هيدنهالم تصف مقپرة امرأة في بيركا:
"وجدنا بجوارها ميزانًا للذهب وأسلحة. كانت تاجرة ومحاربة، وهذا يغير كل ما نعرفه".
شبكة تجارية تمتد من بغداد إلى أمريكا
طرق التجارة:
الطريق الشرقي: عبر أنهار روسيا إلى القسطنطينية، حيث تبادلوا الفراء بالحرير العربي.
الطريق الغربي: من جرينلاند إلى كندا، نقلوا الأخشاب والحديد.
العملات: عُثر على دنانير إسلامية في مقاپر سويدية (دراسة متحف التاريخ السويدي، 2021).
القسم الثالث: الدين والحياة اليومية – عالم من الأساطير والمهارات
العبقرية التقنية: سفن تتحدى العواصف
سفينة أوزبرغ: اكتُشفت في النرويج (1904)، تُظهر دقة صناعة السفن التي سمحت بالوصول إلى أمريكا.
الشمس الحجرية: بلورات الكالسيت التي استُخدمت للملاحة في الأيام الغائمة.
الديانة النوردية: أكثر من مجرد ثور وأودين
طقوس الډفن: تضمين المراكب في المقاپر كرمز للرحلة إلى العالم الآخر.
التضحيات البشرية: اكتشاف 52 هيكلًا قرب أوبسالا (2022)، يُعتقد أنهم قُدِّموا لإله الحړب أودين.
الدكتور نيل برايس، مؤلف كتاب "عصر الفايكنج":"أساطيرهم لم تكن مجرد خرافات، بل نظامًا أخلاقيًا يحكم حياتهم".
القسم الرابع: لماذا تهمنا هذه الاكتشافات اليوم؟
الفايكنج والهوية الأوروبية الحديثة
الاستغلال السياسي: تبنى اليمين المتطرف في بعض الدول رموز الفايكنج كرمز "لتفوق البيض"، رغم تنوعهم العرقي.
التراث العالمي: دراسة الحمض النووي تثبت أن الفايكنج كانوا جسرًا بين الحضارات.
التحديات الأثرية: ماذا بقي لنا؟
الاحتباس الحراري: ذوبان الجليد في جرينلاند يكشف عن قطع أثرية كانت مدفونة لقرون.
النهب الحديث: تجارة غير مشروعة لقطع الفايكنج تُقدَّر قيمتها بـ 70 مليون دولار سنويًا (إنتربول، 2023).
الخاتمة: هل نحن أمام نهاية الأسطورة أم بداية الحقيقة؟
الدراسات الحديثة تدفعنا لإعادة النظر في مفهوم "الحضارة". الفايكنج لم يكونوا برابرة، بل روادًا في التجارة والاستكشاف. لكن الأسئلة تبقى:
كم من تاريخنا مبني على تحيزات الماضي؟
ماذا سيكشف ذوبان الجليد عن أسرارهم في العقود المقبلة؟
"كل قطعة أثرية نجدها هي صفحة جديدة في قصة إنسانية واحدة" — الدكتورة أنا كيرستين ريد، عالمة أنثروبولوجيا.
كلمة أخيرة:
ربما يكون الدرس الأكبر الذي يعلمنا إياه الفايكنج هو أن التاريخ ليس حجرًا منحوتًا، بل نهرٌ متجدد. فهل نستطيع يومًا أن نكمل رسم صورتهم الحقيقية، أم سنظل أسرى أساطيرنا الخاصة؟