الجمعة 23 مايو 2025

المتاهة العملاقة في فرنسا: تحدي للمغامرين

موقع أيام تريندز

المتاهة العملاقة في فرنسا: مغامرةٌ لا تُنسى في قلب الريف الفرنسي

في قلب الريف الفرنسي الهادئ، وتحديدًا في منطقة "فاند" الواقعة غرب البلاد، تقف متاهةٌ خضراء ضخمة أشبه ما تكون بلوحة فنية حية مرسومة بدقة بين الحقول والغابات. إنها "المتاهة العملاقة"، واحدة من أكبر المتاهات النباتية في أوروبا، والتي تحولت في السنوات الأخيرة إلى مقصد مفضل لعشاق المغامرات والتحديات الذهنية من مختلف أنحاء العالم.

فكرة بسيطة.. ولكن على نطاقٍ ضخم

بدأت فكرة المتاهة العملاقة كمشروع عائلي بسيط عام 1996، حين قررت عائلة "غييه" تحويل جزء من أراضيها الزراعية إلى نشاط سياحي مميز. ومنذ ذلك الحين، نمت المتاهة لتصبح واحدة من المعالم الترفيهية الأكثر إثارة في فرنسا، بمساحة تمتد على أكثر من 10 هكتارات (ما يعادل 100,000 متر مربع)، وتُعاد هندستها كل عام لتقديم تجربة جديدة كليًا للزوار.

تتميّز المتاهة بتصميمها المتغير باستمرار، إذ يتم اختيار موضوع مختلف سنويًا، سواء كان مستوحى من الأساطير، أو الأفلام، أو الشخصيات التاريخية. في نسخة هذا العام، اختار المنظمون موضوع "رحلة عبر الزمن"، لتأخذ الزوار في مغامرة فريدة من نوعها عبر مراحل مختلفة من تاريخ البشرية، من العصور الحجرية إلى المستقبل الافتراضي.

تجربة متعددة الحواس والتحديات

ما يجعل هذه المتاهة مميزة بحق ليس فقط حجمها الهائل، بل الطريقة التي تمزج فيها بين التسلية والتعليم والتفاعل. فإلى جانب تحدي إيجاد المخرج، يمر الزوار بمحطات متعدّدة تحاكي أحداثًا تاريخية، وتطرح ألغازًا ومهامًّا تتطلب التفكير الجماعي أو المهارات الفردية لحلها.

على سبيل المثال، في إحدى زوايا المتاهة، يُطلب من الزوار "بناء عجلة حجرية" باستخدام نماذج حجرية خفيفة الوزن لمحاكاة اختراع العجلة. وفي محطة أخرى، يتعيّن عليهم "إيقاف ساعة الزمن" عبر الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالتاريخ الفرنسي. كلّما تقدّم الزائر في المتاهة، تعقّدت التحديات وزاد التشويق.

وجهةٌ مفضلة للعائلات والمغامرين

تُعدّ المتاهة العملاقة مكانًا مثاليًا للعائلات التي تبحث عن نشاط ترفيهي مشترك، إذ توفر خيارات تناسب مختلف الأعمار، بما في ذلك مسارات مخصصة للأطفال الأصغر سنًا، مزوّدة بإرشادات مبسّطة وعناصر تفاعلية مرحة.

كما تجتذب المتاهة عشاق الإثارة ممن يسعون لتجربة مختلفة تتحدى ذكاءهم وصبرهم. وقد أشار الكثير من الزوار إلى أن استكمال المتاهة قد يستغرق بين ساعة إلى ثلاث ساعات، بحسب سرعة التفاعل مع التحديات ودرجة التركيز.

تقول "كلارا دوبوا"، إحدى الزائرات من باريس: "جئت أنا وأصدقائي من أجل التسلية، لكننا وجدنا أنفسنا منغمسين في أجواء المتاهة بشكل غير متوقع. لقد كانت تجربة مرهقة ولكن ممتعة للغاية، وقد زادت من شعورنا بروح الفريق."

استثمار في السياحة البيئية والتعليمية

لا تقتصر أهمية المتاهة على الجانب الترفيهي فقط، بل تُعد نموذجًا ناجحًا للاستثمار في السياحة البيئية والتعليمية. إذ تعتمد إدارتها على وسائل مستدامة، مثل استخدام الطاقة الشمسية لتشغيل المرافق، وإعادة تدوير المياه لريّ النباتات التي تشكل جدران المتاهة.

كما يتم التعاون مع عدد من المدارس الفرنسية لتنظيم زيارات تعليمية ميدانية، تهدف إلى تعزيز قيم العمل الجماعي، والتفكير النقدي، ومعرفة الفترات التاريخية المختلفة بطريقة غير تقليدية.

الزوار من مختلف أنحاء العالم

بحسب الأرقام الرسمية، تستقطب المتاهة العملاقة أكثر من 200 ألف زائر سنويًا، يأتي العديد منهم من دول أوروبية مجاورة مثل ألمانيا، بلجيكا، والمملكة المتحدة. وتشهد شهور الصيف ازدحامًا ملحوظًا، لا سيما خلال العطلات المدرسية.

وصرّح "لوران غييه"، المدير الحالي للمشروع، قائلاً: "كل عام نحاول أن نجعل من المتاهة مغامرة لا تُنسى. إنها ليست فقط مسألة ترفيه، بل تجربة ذات أبعاد ثقافية وإنسانية، نأمل أن تغيّر نظرة الزوار إلى الوقت، والتاريخ، والتعاون بين الناس."

نصائح للزوار الجدد

لمن يرغب بخوض تجربة المتاهة العملاقة، يُنصح بالتخطيط المسبق للزيارة، خاصة في المواسم المزدحمة. ويوفر الموقع الإلكتروني الرسمي إمكانية حجز التذاكر إلكترونيًا، إضافة إلى معلومات حول مواعيد العمل، وأفضل الطرق للوصول.

كما يُستحسن ارتداء أحذية مريحة، وجلب قبعة وزجاجة ماء، نظرًا لطبيعة التجوال الطويل داخل المتاهة، خصوصًا خلال الأيام الحارة.

المتاهة العملاقة في فرنسا ليست مجرد مسار مليء بالمنعطفات، بل هي تحدٍّ حقيقي يحمل في طياته المتعة، والتعليم، والانبهار. إنها فرصة لاختبار النفس وسط الطبيعة، ولإعادة اكتشاف مفاهيم الزمن والمكان بطريقة استثنائية. فإذا كنت من محبّي المغامرات والتجارب الخارجة عن المألوف، فربما تكون المتاهة العملاقة وجهتك القادمة.