العنكبوت العملاق في الأمازون.. هل يصطاد الطيور حقاً؟

موقع أيام تريندز

العنكبوت العملاق في الأمازون.. هل يصطاد الطيور حقاً؟

لغز ممېت في قلب الغابة المطيرة

في أعماق غابات الأمازون المطيرة، حيث تتشابك الأشجار وتتداخل الأصوات، يعيش مخلوق أثار الړعب والدهشة على حد سواء: العنكبوت العملاق الذي قيل إنه قادر على اصطياد الطيور. وبينما قد يبدو هذا المشهد وكأنه مأخوذ من فيلم ړعب خيالي، فإن الحقيقة، كما يرويها العلماء والمستكشفون، أكثر إثارة للدهشة مما يتصوره البعض.

ما هو هذا العنكبوت؟

العنكبوت المعني هو أحد أفراد عائلة "الرُتَيْلاوات" أو ما يُعرف علمياً بـ Theraphosidae، ويُشار إليه غالباً باسم "عنكبوت الغوليث الآكل للطيور" (Goliath birdeater)، وهو أكبر عنكبوت في العالم من حيث الكتلة، ويصل وزنه إلى أكثر من 170 غراماً، وطول ساقيه إلى نحو 30 سنتيمتراً. يعيش هذا العنكبوت في المناطق الرطبة من شمال أميركا الجنوبية، خاصة في غابات الأمازون في فنزويلا، والبرازيل، وسورينام.

ورغم اسمه المخيف، فإن "آكل الطيور" لا يعتمد فعلياً على الطيور كغذاء أساسي. فما حقيقة هذا الاسم؟ ومن أين جاءت هذه السمعة؟

قصة الاسم المضلّل

ترجع تسمية هذا العنكبوت إلى القرن الثامن عشر، عندما رسم أحد المكتشفين الأوروبيين لوحة تُظهر عنكبوتاً ضخماً يلتهم طائراً صغيراً. ومنذ ذلك الحين، التصق به هذا الاسم، إلا أن الواقع البيولوجي يوضح أن الطيور لا تشكل سوى جزء نادر جداً من نظامه الغذائي.

ووفقاً لتقارير حديثة من علماء الحشرات في "جمعية التاريخ الطبيعي" بلندن، فإن معظم وجبات هذا العنكبوت تتكون من الحشرات الكبيرة، والضفادع الصغيرة، والسحالي، وأحياناً الفئران الصغيرة. أما الطيور، فهي فريسة نادرة، يصادفها العنكبوت أحياناً، خاصة إذا كانت ضعيفة أو صغيرة الحجم.

كيف يصطاد هذا العنكبوت؟

لا يستخدم العنكبوت العملاق الشبكة لاصطياد فرائسه، بل يعتمد على الكمون والانقضاض، تماماً كما تفعل القطط الكبيرة. إذ يستقر في الجحور الأرضية أو بين الجذور الكثيفة للأشجار، ثم ينقض على الفريسة عندما تمر بجانبه، مستعيناً بأنيابه الطويلة التي قد تتجاوز السنتيمترين.

حقن السم ليس وسيلته الوحيدة للقتل، بل يستخدم أيضاً أنيابه لإحداث أضرار جسيمة بالفريسة، مما يؤدي إلى مۏتها خلال ثوانٍ. وبعد السيطرة عليها، يحقن فيها عصارات هضمية تساعده على تسييل أعضائها الداخلية، ليتمكن من امتصاصها لاحقاً.

هل هو خطېر على الإنسان؟

على الرغم من حجمه الهائل ومظهره المرعب، فإن العنكبوت العملاق ليس مميتاً للبشر. لدغته مؤلمة وقد تسبب تورماً أو تحسساً شديداً، لكن سمه غير قاټل. ومع ذلك، فإن الشعيرات الصغيرة الموجودة على جسمه تشكل خطراً من نوع آخر، إذ يطلقها للدفاع عن نفسه، وقد تُسبب التهابات جلدية أو مشكلات تنفسية إذا وصلت إلى العينين أو المجاري الهوائية.

شهادات موثقة ومقاطع مصوّرة

في عام 2014، التقط المصور البيولوجي بيتر نيس، من جامعة هارفارد، مقطع فيديو نادر لعنكبوت "الغوليث" وهو يهاجم طائراً صغيراً في إحدى زوايا غابات الأمازون. وأكد حينها أن هذا المشهد نادر الحدوث، لكنه ممكن في ظل الظروف المناسبة، كوجود طير صغير مصاپ أو نائم على الأرض.

وقد أكدت دراسات أخرى أن العناكب الكبيرة قادرة على مهاجمة الطيور الصغيرة والفقاريات متى ما سنحت الفرصة، لكنها لا تعتمد على ذلك كمصدر غذائي منتظم، نظراً لصعوبة المهمة وخطرها.

الټهديد الحقيقي: الإنسان وليس العنكبوت

رغم المخاۏف التي يثيرها هذا الكائن لدى كثيرين، فإن الټهديد الحقيقي الذي يواجهه لا يأتي من فرائسه أو من البيئة، بل من البشر. فالعنكبوت العملاق يُعد من الكائنات المستهدفة في تجارة الحيوانات الغريبة، كما أن ټدمير الغابات بفعل قطع الأشجار والتوسع الزراعي يُهدد موائله الطبيعية.

وقد دعت منظمات بيئية دولية، مثل "الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF)، إلى ضرورة حماية التنوع البيولوجي في الأمازون، بما يشمل هذه الكائنات الفريدة التي تلعب دوراً مهماً في التوازن البيئي.

خلاصة: بين الأسطورة والواقع

العنكبوت العملاق في الأمازون ليس مجرد مخلوق مرعب يُثير الخيال الشعبي، بل هو كائن مدهش يجمع بين القوة والتأقلم مع بيئة شديدة القسۏة. وبينما قد يلتهم طيراً صغيراً بين الحين والآخر، إلا أن الصورة النمطية له كـ"صياد للطيور" ليست سوى مبالغة نشأت من مشهد عابر قبل قرون.

في النهاية، تبقى الحقيقة أكثر تعقيداً من الأسطورة. فالعنكبوت العملاق في الأمازون ليس وحشاً مفترساً كما تصوره بعض القصص، لكنه أحد عجائب الطبيعة التي تستحق الفهم والاحترام، لا الخۏف والتشويه.