كيف غيَّرت منصات البث الرقمية مفهوم النجومية في العالم العربي؟

الذكاء الاصطناعي يُوجِّه البوصلة: كيف تُحدد الخوارزميات مَن يصبح نجمًا؟
لم تعد صناعة النجوم حكرًا على وكلاء المواهب أو القنوات التلفزيونية. اليوم، تحمل خوارزميات منصات مثل Netflix وShahid VIP مفاتيح الصعود إلى الشهرة. ففي مسلسل وهلة (من إنتاج Watch It)، ارتفعت شعبية الممثلة هبة مجدي بنسبة 70% خلال أسبوعين فقط، بعدما صنّفته الخوارزمية كمحتوى "موصى به"، استنادًا إلى تحليل أكثر من مليوني تفاعل مُسجّل.
تعتمد هذه الآلية على معادلات رياضية تزن عوامل مثل:
معدل الإكمال (كم من المشاهدين تابعوا الحلقة حتى نهايتها؟)
تفاعل الجمهور (عدد التعليقات والمشاركات)
التفضيلات الشخصية (بناءً على أنماط المشاهدة السابقة)
يقول خبير تحليل البيانات عمر الخضري:
"الخوارزمية تخلق مسارات موازية للنجومية، فممثلو الويب سيريز قد يحصلون على فرص تفوق نجوم السينما التقليديين إذا اجتازوا اختبار البيانات".
حصان طروادة الثقافي: عندما تُعيد Netflix صياغة التراث العربي
أثارت منصات البث العالمية جدلًا حول "تغريب" المحتوى العربي. في مسلسل العباية (نتاج تعاون مصري-أمريكي)، غيّرت Netflix بعض العناصر الدرامية لتتلاءم مع ذوق الجمهور العالمي، مثل إضافة مشاهد حركية مكثفة وتقليص الحوارات الفلسفية.
هذا التعديل خلق انقسامًا:
58% من المشاهدين العرب تحت سن 35 وافقوا على التغييرات (بحسب استطلاع Nielsen)
بينما وصف الناقد سامي عبد الرحمن العمل بأنه "ترويض للهوية الثقافية ضمن قوالب غربية"
لكن هذه الاستراتيجية حققت نتائج ملموسة:
45% من مشاهدات مسلسل جنة الڼار (عمل تاريخي) جاءت من خارج العالم العربي
30% من المشتركين الأوروبيين في Netflix يشاهدون محتوى عربيًا شهريًا
الاقتصاد الخفي: كيف حوّلت 200 مليون دولار خريطة النجومية العربية؟
الاستثمارات الضخمة للمنصات خلقت نظامًا اقتصاديًا موازيًا للصناعة التقليدية:
تتراوح ميزانية الحلقة الواحدة في مسلسلات Netflix العربية بين 500 ألف و1.5 مليون دولار
ظهور وظائف جديدة مثل: مدير تفاعل الجمهور الرقمي و محلل بيانات إبداعي
تحوّل 40% من عائدات الإعلانات التلفزيونية إلى الإنتاجات الرقمية بين 2020 و2025
وكان الأثر الأبرز في اكتشاف المواهب:
نواف الدوسري (نجم يوتيوب سابق) حصل على عقد بقيمة 3 ملايين دولار لبطولة مسلسل ما وراء الطبيعة
انضم 120 ممثلًا عربيًا إلى نقابات فنية دولية بفضل أعمالهم الرقمية
"النجم السريع الزوال": فنٌّ أم سلعة استهلاكية؟
النجومية الرقمية تحمل مفارقة: صعود سريع يقابله عمر مهني أقصر. تكشف بيانات منصة Shahid VIP أن:
60% من نجوم الويب سيريز يفقدون نصف شعبيتهم خلال عامين
35% من الجمهور لا يتذكرون أسماء الممثلين الذين شاهدوهم قبل ستة أشهر
يرى المخرج علي العدل أن "المنصات حوّلت الفن إلى سلعة قابلة للاستهلاك الفوري"، بينما تعتبر الممثلة ميساء عبد الهادي أن "هذا النموذج يمنح فرصًا للذين لم تسمح لهم الأنظمة القديمة بالظهور".
نساء وراء الكواليس: القيادات النسائية تُعيد تعريف الصناعة
شهدت السنوات الخمس الماضية تحوّلًا جندريًا غير مسبوق:
ارتفعت نسبة المخرجات العربيات من 12% إلى 34%
70% من كتّاب السيناريو في الأعمال الرقمية هن نساء تحت سن الأربعين
في مسلسل الملكة شمس (من إنتاج OSN+)، قادت سهر الصايغ فريقًا نسائيًا بنسبة 80%، وحقق العمل 18 مليون ساعة مشاهدة. تقول الصايغ:
"الرقمنة كسرت التحيزات الذكورية في القرارات الإبداعية".
مفارقة الاختيار: لماذا قد ټقتل المنصات التنوع الفني؟
رغم تقديم آلاف الخيارات، تشير دراسة جامعة نيويورك أبوظبي (2024) إلى أن:
78% من المشاهدين العرب يختارون أعمالًا من ثلاث فئات فقط (كوميديا، إثارة، دراما اجتماعية)
تعيد الخوارزميات توجيه 60% من المشاهدين إلى محتوى مشابه لما شاهدوه سابقًا
وهذا يُهدد الأنواع الفنية الأقل شيوعًا مثل:
المسرحيات التجريبية
الأفلام الوثائقية الجريئة
السينما الشعرية
مستقبل النجومية: بين الذكاء الاصطناعي والحنين إلى الزمن القديم
لم ټقتل الرقمنة النموذج التقليدي، لكنها فرضت تكاملًا جديدًا:
55% من نجوم التلفزيون يشاركون الآن في أعمال رقمية
أدرجت مهرجانات مثل الدار البيضاء للسينما فئة "أفضل أداء رقمي" ضمن جوائزها
تلخص الخبيرة الثقافية د. ليلى مراد هذا التحول بقولها:
"النجومية لم تعد هالة مقدسة، بل أصبحت معادلة بين الإبداع البشري وذكاء الآلة".
ويبقى السؤال: هل ستُنتج لنا المنصات نجومًا عابرين... أم أساطير لعصر جديد؟
كلمة أخيرة:
في هذا العصر اللامحدود، أصبح كل مشاهد قادرًا على صنع نجمه المفضل بنقرة واحدة. لكن التحدي الأكبر يبقى: كيف نحفظ الهوية العربية في عالمٍ تتحكم فيه الخوارزميات بجميع تفاصيلنا الثقافية؟