الجمعة 25 أبريل 2025

اكتشاف صاحب أقدم شكوى لخدمة العملاء: زبون نقش ملاحظاته على لوح طيني قبل 4 آلاف عام

موقع أيام تريندز

اكتشاف صاحب أقدم شكوى لخدمة العملاء: زبون نقش ملاحظاته على لوح طيني قبل 4 آلاف عام

في عام 1750 قبل الميلاد، وفي قلب حضارة بلاد الرافدين، كان أحد التجار السومريين يُدعى "ناني" يواجه مشكلة غير معتادة في عالم التجارة القديم. فقد شكّل لوح طيني صغير، محفورًا بخط مسماري، ما يُعتبر اليوم أقدم شكوى مكتوبة في التاريخ. هذه الشكوى، التي أُرسلت إلى تاجر آخر يُدعى "إيا ناصر"، تكشف عن معاناة أحد الزبائن بسبب سلعة رديئة الجودة وخدمة غير مرضية، وهو أمر لا يختلف كثيرًا عن الشكاوى التي نراها في العصر الحديث.

من ناني إلى إيا ناصر: قصة شكوى صنعت التاريخ

لم تكن العلاقة بين ناني وإيا ناصر مجرد تبادل تجاري عابر، بل كانت تُعبّر عن جدلية عميقة في ممارسات التجارة القديمة. ناني، التاجر السومري، لم يتوانَ عن إرسال رسالة عبر لوح طيني يعبّر فيها عن استيائه الشديد من شحنة النحاس التي تلقاها. انتقد ناني، بوضوح شديد، الرداءة في البضائع التي حصل عليها، فضلًا عن المعاملة السيئة التي تلقاها من موظفي إيا ناصر، رغم دفعه كامل المبلغ المتفق عليه. 

في هذه الوثيقة، نلمس شعورًا بالأمل في العدالة والمحاسبة، حيث كان ناني يعتقد أن شكواه ستجد آذانًا صاغية. وفي تلك الأيام البعيدة، كانت هذه الرسالة تمثل أكثر من مجرد اعتراض على سلعة سيئة؛ كانت تعبيرًا عن مبدأ محاسبة التاجر وتقديره لحقوق الزبائن.

لوح طيني ومسمار غاضب: أول احتجاج مكتوب في سوق النحاس

لم يكن الخط المسماري وسيلة لكتابة التاريخ فقط، بل كان أيضًا وسيلة لتوثيق الاحتجاجات. في هذا السياق، يمثل لوح ناني الطيني أداة احتجاج تسببت في تسجيل أول احتجاج مكتوب في تاريخ الأسواق. على الرغم من أن التكنولوجيا كانت بدائية، إلا أن رسالة ناني حملت بين كلماتها رسالة حادة ومباشرة.

كان النحاس، الذي يتاجر فيه إيا ناصر، سلعة ثمينة في ذلك الوقت، وكان من المتوقع أن تكون جودته عالية. ومع ذلك، كانت شكوى ناني تُظهر تراجعًا في مستوى الخدمة التي تم تقديمها، مما دفعه إلى استخدام اللوح الطيني كوسيلة رسمية لإيصال احتجاجه. 

خدمة العملاء في سومر: كيف عبّر الزبائن عن استيائهم قبل آلاف السنين؟

في تلك الفترة الزمنية، لم تكن وسائل التواصل الحديثة مثل البريد الإلكتروني أو مكالمات الدعم الفني موجودة. لكن في أرض سومر، كان التفاعل التجاري يمر عبر وسائل أقل تطورًا، لكنها كانت لا تزال تُعبّر عن مفهوم أساسي من مفاهيم التجارة: الحق في الحصول على خدمة جيدة.

كان ناني يعرف حقه التجاري، وتُظهر شكواه درجة من الوعي الذي لم يكن معروفًا في كثير من الحضارات الأخرى في تلك الفترة. بهذه الرسالة، كان الزبائن في بلاد الرافدين يعبرون عن استيائهم بطريقة رسمية، ليطالبوا بما يعتقدون أنه من حقهم. ومن خلال هذه الوثيقة، نجد أن العلاقة بين التاجر والمشتري لم تكن محكومة فقط بالعقود المادية، بل كانت تشمل أيضًا عنصرًا أخلاقيًا يتعلق بالجودة والخدمة.

عندما تحدث الزبون القديم: شكوى نُقشت لتبقى

ما يميز شكوى ناني، بالإضافة إلى توقيتها التاريخي، هو الطريقة التي نُقشت بها. فقد استُخدم لوح طيني وُضع فيه المسمار ليشكل رسائل تظل قائمة لعصور طويلة. ما جعل هذا اللوح فريدًا هو بقاء تلك الكلمات عبر آلاف السنين، ليصبح شاهدًا حيًا على شكلٍ من أشكال الاحتجاج التجاري الذي نراه اليوم في صور مختلفة.

من خلال هذه الشكوى، يمكننا أن نرى كيف أن الزبائن في تلك الأيام لم يكونوا مجرد مستهلكين سلبيين؛ بل كانوا أصحاب حقوق، يطالبون بالخدمة والجودة. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار هذه الشكوى أيضًا بمثابة أول شهادة مكتوبة تُظهر "ثقافة الشكوى" التي تتعامل مع الزبائن كمواطنين أصحاب حقوق.

من بلاد الرافدين إلى المتحف البريطاني: رحلة لوح غيّر فهمنا للتجارة القديمة

اليوم، وبعد مرور آلاف السنين، يصل هذا اللوح الطيني إلى المتحف البريطاني ليكون شاهدًا على بدايات العلاقات التجارية في أقدم حضارة بشړية. يفتح هذا الاكتشاف الباب لفهم أعمق حول كيف كان يُنظر إلى التجارة في بلاد الرافدين وكيف كانت حقوق الزبائن، وإن كانت موثقة بطرق مختلفة، تُعتبر أمرًا ذا أهمية كبيرة. 

إن وجود هذا اللوح في المتحف البريطاني ليس مجرد اكتشاف أثري، بل هو أداة لفهم أبعاد الحضارات القديمة وأسلوب حياتها. يروي هذا اللوح عن أكثر من مجرد سلعة فاسدة؛ يروي عن علاقة تجارية فريدة في ذلك الوقت كان لكل طرف فيها الحق في التفاعل والمطالبة بما له من حقوق.

خاتمة

يظل هذا اللوح الطيني من ناني إلى إيا ناصر شاهدًا على تطور الإنسان التجاري منذ العصور الأولى. فبينما تغيرت الأدوات ووسائل التواصل عبر العصور، إلا أن جوهر العلاقة بين الزبون والتاجر ظل كما هو. ففي العصور القديمة كما في العصر الحديث، كان للزبون حق الاعتراض والمطالبة بالجودة. ورغم مرور الزمن، يظل اللوح الطيني الذي نقش عليه ناني احتجاجه شاهدًا حيًا على قدرة الإنسان على المطالبة بحقوقه، مهما كان الزمن أو المكان.