التحديات المتعلقة بالدقة في أجهزة تتبع اللياقة البدنية

تحديات الدقة في أجهزة تتبع اللياقة البدنية: ما بين الطموح التكنولوجي وواقع البيانات
في عصرٍ باتت فيه التكنولوجيا تُمسك بتفاصيل حياتنا اليومية، لم تعد أجهزة تتبّع اللياقة البدنية مجرّد أدوات تكميلية، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نمط الحياة العصري. من قياس عدد الخطوات اليومية إلى رصد معدلات ضربات القلب وجودة النوم وحتى مستويات التوتر، توفّر هذه الأجهزة كميات هائلة من البيانات التي يعتمد عليها الملايين حول العالم. غير أن هذه الطفرة التكنولوجية تصطدم بتحدٍ رئيسي لا يزال محلّ جدل وبحث: *الدقّة*.
الموثوقية على المحك
في استطلاع أجرته مؤخرًا مؤسسة "Statista" شمل أكثر من 5,000 مستخدم لأجهزة تتبع اللياقة، عبّر نحو 34% منهم عن شكوكهم في دقة البيانات التي توفرها هذه الأجهزة. وتتنوع مظاهر هذه الشكوك ما بين نتائج غير متسقة لمعدل نبض القلب، وأخطاء في حساب الخطوات أو السعرات الحرارية، وصولًا إلى تقديرات غير دقيقة لجودة النوم.
ويقول الدكتور سامي الجوهري، أستاذ علوم الحركة والتقنيات الرياضية بجامعة الملك سعود:
"أغلب هذه الأجهزة تعتمد على خوارزميات مبنية على بيانات عامة، لكنها لا تأخذ في الحسبان الفروقات الفردية بين المستخدمين، مثل مستوى اللياقة، تركيب الجسم، أو حتى طبيعة الحركة اليومية، ما يؤدي إلى انحرافات في النتائج."
خوارزميات ذكية، لكنها غير مثالية
تعتمد معظم أجهزة التتبع على مستشعرات مدمجة مثل مقياس التسارع (Accelerometer) ومستشعر معدل ضربات القلب البصري (PPG)، وهذه تقنيات حساسة ولكنها ليست دقيقة 100%. فعلى سبيل المثال، في حالة ارتداء الساعة بشكل غير محكم أو ممارسة تمارين ذات حركة يد خفيفة، كركوب الدراجة أو رفع الأثقال، قد تسجّل البيانات مستويات أقل مما هي عليه فعليًا.
كما تشير دراسة نشرتها جامعة ستانفورد عام 2023 إلى أن بعض الأجهزة الشهيرة قد تُخطئ بنسبة تصل إلى 20% عند قياس حړق السعرات الحرارية، وهي نسبة ليست بسيطة بالنسبة لأشخاص يعتمدون على هذه البيانات لتخطيط أنظمتهم الغذائية.
خصوصية النوم تحت المجهر
من بين أكثر الوظائف إثارةً للاهتمام في أجهزة التتبع هي قدرتها على تحليل دورات النوم. ورغم الجاذبية البصرية والبيانية لهذه الميزة، فإن دقتها تظل محل نقاش واسع. ويؤكد الدكتور مروان الشمري، اختصاصي اضطرابات النوم، أن "هذه الأجهزة ليست بديلًا عن دراسات النوم الطبية، فهي لا تستطيع التفريق بدقة بين مراحل النوم المختلفة مثل REM أو النوم العميق، ما قد يؤدي إلى تقييمات مضللة."
التفاوت بين العلامات التجارية
ليس كل ما يُلبس يُقاس بدقة. فالاختبارات المستقلة كشفت تفاوتًا ملحوظًا في أداء أجهزة التتبع باختلاف العلامة التجارية والموديل. على سبيل المثال، حققت بعض الأجهزة مثل "Apple Watch" و"Garmin" نتائج أفضل من أجهزة منخفضة التكلفة مثل "Mi Band" أو "Realme Watch"، خاصة في مهام تتبع التمارين المكثفة.
المستخدمون بين الواقعية والطموح
رغم التحديات التقنية، لا يزال الإقبال على هذه الأجهزة في تصاعد مستمر. ويتوقع خبراء السوق أن يتجاوز عدد المستخدمين حول العالم 1.1 مليار مستخدم بحلول عام 2026. ويعزو المحللون ذلك إلى عاملين أساسيين: الوعي الصحي المتنامي، والانبهار بقدرة هذه الأجهزة على تحويل البيانات الشخصية إلى رسومات ومؤشرات جذّابة وسهلة الفهم.
لكن يبقى على المستخدمين، بحسب المختصين، التعامل مع هذه البيانات كـ"مؤشرات إرشادية" لا "حقائق طبية".
هل من حلول تلوح في الأفق؟
لا تقف الشركات مكتوفة الأيدي أمام هذه التحديات. فقد بدأت بعض العلامات التجارية الكبرى بالاستثمار في تطوير خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لتحسين دقة التقديرات من خلال التعلّم من سلوك المستخدم نفسه، وليس فقط من قواعد البيانات العامة.
كما يجري العمل على دمج أجهزة تتبع اللياقة مع بيانات طبية واقعية من المستشفيات أو السجلات الصحية الشخصية، في محاولة لتقريب الهوة بين الترفيه الصحي والطب الدقيق.
وعي المستخدم هو خط الدفاع الأول
في نهاية المطاف، تظل أجهزة تتبع اللياقة البدنية أدوات قوية ومفيدة، لكنها ليست معصومة عن الخطأ. ولعلّ أهم ما يجب التذكير به هو أن *الوعي والواقعية* في استخدام هذه الأجهزة قد يكونان أكثر أهمية من مدى تطوّرها التكنولوجي.
فبينما تواصل الشركات تطوير تقنياتها، يبقى على المستخدم أن يدرك أن ما يُعرض على معصمه ليس تشخيصًا طبيًا، بل قراءة أولية لحالة قابلة دومًا للنقاش والتحقق.