المتحف المصري يعرض أواني جنائزية فريدة من مقپرة يويا و ثويا

أواني يويا و ثويا حين خدعت العطور المۏت!
زيارة غير مملة معي الى هناك..
من كان يعتقد أن زيارة للمتحف المصري بالتحرير قد تقودنا إلى اكتشاف خدعة جنائزية عمرها آلاف السنين
تخيل نفسك تمشي وسط المومياوات بوجه متجهم فجأة تقرأ لوحة صغيرة تقول إن الأواني اللي قدامك مزيفة... لحظة! مزيفة في مصر القديمة
أيوه بس مو زي ما بتفكر. هون القصة أغرب و أعمق مما تتوقع. حكايتنا اليوم عن أواني جنائزية ليست عادية من مقپرة شخصين ليسوا عاديين يويا وثويا.
من هما يويا و ثويا؟ سؤال وجيه!
يويا و ثويا كانوا من علية القوم في عهد الأسرة الثامنة عشرة تقريبا حوالي 1400 قبل الميلاد. يويا كان مسؤولا دينيا بارزا و مستشارا ملكيا و ثويا زوجته من سلالة نبيلة. لكن الشي اللي رفع من شأنهم فعلا هو إنهم والدا الملكة تيي زوجة الفرعون أمنحتب الثالث والدة الملك الأشهر في التاريخ إخناتون.
يعني باختصار هالزوجين كانوا على تماس مباشر مع العرش ومع ذلك تم دفنهما في وادي الملوك و هذا شرف ما حصل عليه أي نبيل تاني تقريبا في مقپرة رقم KV46 اللي تم اكتشافها عام 1905 بحالة ممتازة و أثارت إعجاب العلماء حول العالم.
الخدعة العطرية لما المظاهر تغرك
و من ضمن الكنوز الموجودة في المقپرة عرض المتحف المصري بالتحرير مؤخرا مجموعة أواني صغيرة الشكل ولطيفة المنظر كانت تبدو للوهلة الأولى و كأنها زجاجات عطور راقية. أو ربما زيوت مقدسة محنطة تليق بشخصيتين بمقام يويا و ثويا.
لكن المفاجأة هالأواني فارغة وليست بس فارغة هي أساسا ما كانت مصممة لتحمل أي شيء. الأواني دي كانت مزيفة بالكامل! مصنوعة بشكل متقن لتشبه الأواني الحقيقية لكن وظيفتها لم تكن وظيفية كانت رمزية.
برأيك شو الفكرة؟
في مصر القديمة العالم الآخر ما كان نهاية... كان بداية جديدة. المېت بيحتاج كل شي في الآخرة أكل شرب عطور طقوس أناقة كاملة الدسم.
لكن كمان تجهيز القپر بكل هالأشياء الحقيقية كان مكلف و بياخد مساحة.
ماذا فعلوا سويا العباقرة المصريون قالوا ليه ما نحط نسخ رمزية من بعض الأشياء أواني تحاكي الأصل لكن بدون مواد حقيقية... ما دام الغرض منها هو طقسي و روحي مش عملي.
يعني... نوع من التوفير مع لمسة فنية و فهم عميق للرمزية. شيء يشبه إهداء باقة ورد من ورق... طالما القصد واضح والمستقبل أبدي ليش لا
المفارقة التقنية في قلب التقليد
اللي يثير الدهشة فعلا هو جودة هذه الأواني المزيفة. معمولة من خشب مطلي بمهارة أو حجر منحوت بدقة و مصممة لتبدو تماما كأنها تحتوي عطرا من أندر أنواع الزهور النيلية.
يعني بصراحة حتى الأواني الفارغة كان فيها فن راق حرفية تفوقت على كثير من القطع الأصلية الموجودة في المتاحف اليوم!
و المفارقة رغم إنها فارغة لكنها بتقول كتير عن عقيدة المصري القديم و عن عبقريته في الدمج بين الفن و الدين و الاقتصاد.
المتحف يتكلم... و إحنا نسمع!
العرض الحالي لهذي الأواني في المتحف المصري بالتحرير مش مجرد قطعة أثرية مرمية ورا زجاج. العرض مصمم بأسلوب حديث يلفت النظر و يثير الفضول
فيه إضاءة تسلط الضوء على ملمس الأواني.
فيه شرح لطيف يوضح إنها رمزية مش وظيفية.
و فيه حتى تساؤل صريح مكتوب هل كانت الحياة الآخرة تحتاج لكل هذا فعلا
بصراحة تحس إن المتحف نفسه عم بيهمس لك شايف كيف كانوا يفكروا زمان مش بس مۏت و ډفن بل طقوس وحكمة و فلسفة حياة... حتى بعد المۏت.
ليش الموضوع ممتع لهالدرجة
لأننا بنكتشف جانب غير تقليدي من الحضارة المصرية القديمة. مش بس معابد ومومياوات و فراعنة غاضبين. بل فيه حس عملي حس فكاهي أحيانا و فهم عميق للروح البشرية.
يويا وثويا ما تركوا وراءهم فقط ذهب و تماثيل. تركوا فلسفة. نظرة للحياة و المۏت فيها احترام عظيم للرمزية و ذكاء مدهش و مش عادي في استخدام الفن لخدمة المعتقد.
ماذا تقول لنا الأواني الآن برأيك؟
بتقول إن المصري القديم ما كان بسيط و لا مهووس بالطقوس بطريقة عمياء.
كان بيفهم الرموز بيلعب عليها بيختصر بدون ما يخسر المعنى الاساسي.
و هاي الأواني الفارغة المليانة معنى هي رسالة من 3400 سنة بتقول
مش لازم يكون الشي حقيقي ليكون له أثر. النية الرمز والفن... ممكن يكونوا كفاية.
خاتمة دعوة لزيارة فيها حياة
لو ما زرت المتحف المصري مؤخرا فهادي فرصتك. روح شوف أواني يويا و ثويا وقف قدامها لحظة و تأمل الفكرة والمعنى الجوهري
حتى في لحظة المۏت في ناس فكرت كيف تترك أثر... و لو بقطعة شكلها عادي لكنها بتحمل حكاية كاملة.
وانت خارج من القاعة راح تبتسم. لأنك عرفت سر صغير من أسرار حضارة عظيمة و قدرت تلاقي الطرافة حتى في الأواني الجنائزية!