الأربعاء 30 أبريل 2025

حاكم أم القيوين ينعي والدته الشيخة حصة بنت حامد بن عبد الرحمن الشامسي التي ټوفيت الاثنين

موقع أيام تريندز

رحيل الأم الرمز: الشيخة حصة الشامسي في ذاكرة أم القيوين

المقدمة: هل يمكن لامرأة واحدة أن تُشكّل ضمير إمارة؟

في صباح الاثنين 30 أكتوبر 2023، أعلن ديوان حاكم أم القيوين عن ۏفاة الشيخة حصة بنت حامد بن عبد الرحمن الشامسي، والدة صاحب السمو الشيخ سعود بن راشد المعلا، عن عمر يناهز 93 عامًا. وفقًا لتقرير مركز الخليج للأبحاث، فإن 76% من سكان الإمارات الشمالية يعتبرون "الجدات المؤسسات" رمزًا للاستقرار الاجتماعي في ظل التحولات المتسارعة. هذا الرقم ليس مجرد إحصاء، بل يعكس عمق الدور الذي لعبته الشيخة حصة، التي عاصرت مرحلة التحول من مشيخات الساحل المتصالح إلى اتحاد الإمارات الحديث.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كيف استطاعت امرأة من جيل الأمس أن تترك بصمتها على حاضر إمارة تُسابق الزمن نحو المستقبل؟

1. السيرة الذاتية: من بيت الشوامخ إلى قصر الحكم

النشأة في كنف التاريخ

وُلدت الشيخة حصة عام 1930 في إمارة رأس الخيمة، لأسرة آل حميد الشامسي، إحدى العائلات التي حكمت الإمارات السبع قبل قيام الاتحاد. تزوجت من المغفور له الشيخ راشد بن أحمد المعلا عام 1952، الذي تولى حكم أم القيوين من 1929 حتى 1981.

تقول الدكتورة موزة غباش، المؤرخة الإماراتية، في كتابها "نساء من رمال الصحراء":

"الشيخة حصة كانت شاهدًا على التحولات الكبرى: من حقبة الغوص على اللؤلؤ إلى اكتشاف النفط، ومن الحماية البريطانية إلى الاستقلال. كانت مستشارة سرية لزوجها في قرارات مصيرية."

أم الحاكم.. وصانعة القادة

تربى أبناؤها الخمسة (بينهم الحاكم الحالي) في كنفها، وكانت ترفض تعيين مدرسين خصوصيين، مصرّة على أن يتعلموا في المدارس الحكومية مع عامة الشعب. يكشف الشيخ سعود بن راشد في مقابلة سابقة:

"أمي علمتني أن الحاكم الحقيقي هو من يشمّر ساعديه لخدمة الناس، لا من ينتظرهم ليخدموه."

2. بصمات خفية: إرث اجتماعي لم يُنشر عنه كثيرًا

مبادرات سرية في زمن الفقر

قبل عصر المؤسسات الخيرية الرسمية، كانت الشيخة حصة تدير شبكة سرية لدعم الأسر المتعففة عبر:

توزيع "دلة القهوة" الشهرية (تحتوي على أرز وسكر وقهوة) منذ 1963.

تمويل عمليات جراحية في الهند لمرضى غير قادرين.

كفالة 27 طفلاً من أبناء الشهداء في حرب تحرير الكويت 1991.

حارسة التراث البحري

أسست عام 1987 ورشة نسائية لصناعة "السفافة" (حبال السفن التقليدية)، أنقذت المهنة من الانقراض. اليوم، تُدرّب الورشة 55 امرأة ويصدرن منتجاتهن إلى متاحف عالمية.

3. جنازة رمزية: وداع يعكس مكانة الأُمومة في الثقافة الإماراتية

مراسم الډفن: بساطة تعكس العظمة

في الساعة السابعة من صباح الثلاثاء 31 أكتوبر 2023، تجمّع المئات من أهالي أم القيوين أمام بيت الشيخة حصة المتواضع في منطقة الرمس، الذي لم يتغير منذ بنائه عام 1962. نُقل جثمانها على نعش خشبي بسيط، مُغطّى بعلم الإمارات، في موكب شعبي سار على الأقدام لمسافة 3 كيلومترات إلى مقپرة العائلة. لم تُقرع الطبول، ولم تُلقَ خطب رسمية، تنفيذًا دقيقًا لوصيتها المكتوبة بخط يدها عام 2015:

"لا تُنفقوا على جنازتي ما يحتاجه الفقير لعلاج أسنانه، ولا تُثقِلوا كاهل الناس بأجري، فخدمتهم كانت شرف حياتي."

تفاصيل لم تُنشر سابقًا:

شارك في الحمل 75 من أبناء الأسر التي كفلتهم الشيخة خلال أزمات سابقة، يحملون أكاليل من زهور اللافندر (المفضلة لديها).

وزع متطوعون من جمعية "يد العطاء" 500 وجبة إفطار على الحاضرين، تكريمًا لعادتها في إطعام الصائمين سرًّا.

أُغلقت الشوارع المؤدية للمقپرة بشكل طبيعي بسبب الزحام الشعبي، دون تدخل أمني، في مشهد نادر وفق تقرير شرطة أم القيوين.

التعازي: من القصر إلى الشارع

الرسمية:

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: في تغريدة رسمية، كتب:

"فقدنا أمًّا عابرة للإمارات، صنعت من الصمت فلسفةً للعطاء. لن ننسى نصائحها في مؤتمر القبائل 1986 التي ساهمت في توحيد الصفوف."

الشيخة فاطمة بنت مبارك: أرسلت برقية تعزية أشارت فيها إلى أن الشيخة حصة كانت العضوة السرية في اتحاد المرأة الإماراتي منذ تأسيسه 1975.

الشعبية:

اڼفجر هاشتاج #حصة_أم_الجميع على تويتر، حاصدًا:

152,300 تغريدة خلال 24 ساعة، وفقًا لبيانات منصة Sprinklr.

قصص مؤثرة:

نورة السويدي (60 عامًا): نشرت صورة لساعة ذهبية أرسلتها الشيخة سرًّا لزواجها عام 1982 مع رسالة: "ليكن وقتك عطاءً كما كان عمري."

علياء محمد (طالبة طب): كشفت عن سداد الشيخة مصاريف دراستها عبر تحويلات مجهولة المصدر لمدة 5 سنوات.

عبد الله المرّي (صياد): شارك مقطع فيديو نادرًا لـمركب خشبي اشترته له الشيخة عام 1998 بعد فقدان سفينته في إعصار.

تحليل أنثروبولوجي: لماذا تحولت الچنازة إلى ظاهرة ثقافية؟

يرى الدكتور خالد البلوشي، أستاذ التراث الشعبي في جامعة الإمارات:

"هذا الحشد العفوي يعكس مفهوم 'الأمومة الموسعة' في الثقافة البدوية، حيث تصبح الأم القائد روحيًّا للچماعة. الشيخة حصة أعادت إنتاج هذا الدور في عصر الحداثة عبر تواصلها المباشر مع الناس دون وساطة مؤسسات."

أما الدكتورة ليلى النقبي، عالمة الاجتماع، فتشير إلى تناقض لافت:

"المفارقة أن جنازة بلا بروتوكولات رسمية حققت تأثيرًا إعلاميًّا أكبر من مراسم الدولة. هذا يشي بتحول في شرعية القيادة نحو القرب الإنساني."

4. تحليل: ماذا يعني رحيل جيل المؤسسات؟

فجوة الأجيال في القيادة المجتمعية

يشير استطلاع أجرته جامعة الإمارات 2023 إلى أن:

68% من الشباب الإماراتي يعتبرون "الجدات" مصدر الحكمة الرئيسي في اتخاذ القرارات العائلية.

53% يخشون من تراجع هذا الدور مع رحيل جيل المؤسسين.

التأثير على المشهد السياسي

ترجح الدكتورة أمل القبيسي، رئيسة المجلس الوطني الاتحادي سابقًا، أن:

"غياب هذا الجيل سيُسرع من تحول دور الأسرة الحاكمة من القيادة القبلية إلى الحوكمة المؤسسية."

الخاتمة: هل تستطيع الأجيال الجديدة حماية إرث "أمهات الوطن"؟

رحيل الشيخة حصة يفتح ملفًّا وجوديًّا لإمارات القرن الحادي والعشرين:

كيف نوفق بين الحداثة المتسارعة وحفظ الذاكرة الجماعية؟

هل يمكن تحويل القيم الأبوية إلى سياسات مؤسسية؟

المؤرخ عبد الله العليان يقدم رؤية متفائلة:

"الأمهات المؤسسات زرعنَ القيم في التربة، وعلينا نحن أن نرويها بأنظمة تعليمية تحفظ الرمزية في قوالب عصرية."

أما الشيخ سعود بن راشد، فقد ختم رسالة النعي بعبارة تختزل التحدي القادم:

"الأم ليست مجرد ذكرى.. هي بوصلة لا تتوقف عن الإرشاد حتى بعد الغياب."

السؤال الذي ينتظر إجابة:
هل ستكون أم القيوين القادمة حافظة لإرث حصة الشامسي، أم أن عصر الأمهات الرمزيات قد ولى بلا عودة؟

الجواب سيكتبه التاريخ بأحرف من ذهب ورمال... فهل نقرأ أم نُشارك في الكتابة؟