رامي عياش ضيفاً في برنامج حبر سري ماذا عن طفولته الصارمة

رامي عياش في "حبر سري": كيف شكّلت الطفولة الصارمة مسيرة فنان استثنائي؟
في حلقة مميزة من برنامج "حبر سري"، كشف الفنان اللبناني رامي عياش النقاب عن تفاصيل مؤثرة من مسيرته الحياتية والفنية، مع تركيز خاص على مرحلة الطفولة التي شكلت الأساس لشخصيته الفريدة. قدم عياش خلال الحوار رؤية عميقة لكيفية تحول التحديات والعقبات التي واجهها في صغره إلى مصدر إلهام لأعماله الفنية التي تميزت بالعمق والعاطفة الجياشة.
النشأة في بيئة صارمة: البذور الأولى لشخصية الفنان
يعود أصل رامي عياش إلى بلدة كفرشيما اللبنانية، حيث نشأ في كنف عائلة اتسمت بالصرامة والانضباط الشديد. في حديثه مع مضيف "حبر سري"، وصف عياش طفولته بأنها كانت "خاضعة لنظام حديدي" بقيادة والده الذي كان يؤمن بأن الانضباط المفرط هو السبيل الوحيد لتربية الأبناء.
لم تكن هناك مساحة للخطأ أو التساهل في ذلك المنزل. حتى أبسط مظاهر الطفولة البريئة كانت تخضع للمراقبة والمحاسبة. "كنت أشعر أنني أعيش داخل قفص ذهبي"، بهذه الكلمات لخص عياش طفولته، مضيفًا: "كل حركة، كل كلمة، كل رغبة كانت تخضع للمحاسبة والعقاپ أحيانًا".
الموسيقى كمهرب من الواقع القاسې
في خضم هذه البيئة الصارمة، وجد الطفل رامي في الموسيقى ملاذًا آمناً يعبر من خلاله عن مشاعره المكبوتة. كان يجد في أغاني فيروز وعبد الحليم حافظ عالمًا موازيًا يمنحه الحرية التي حرم منها في واقعه اليومي. ورغم أن موهبته الغنائية بدت واضحة منذ سنواته الأولى، إلا أن عائلته لم تنظر بعين الارتياح إلى هذا الاتجاه الفني.
كشف عياش في اللقاء: "كان والدي يعتبر الغناء مضيعة للوقت، وكان يفضل أن أركز على دراستي فقط". لم تمنع هذه المعارضة الصغيرةَ من ممارسة شغفه، بل زادته إصرارًا. كان يغني خفية في غرفته، أو أثناء ذهابه إلى المدرسة، ويشارك في الأنشطة الفنية المدرسية بعيدًا عن أعين العائلة.
التحول الكبير: من القمع إلى التحرر الفني
مع تقدمه في العمر، بدأ عياش يبحث عن مساحة أكبر لموهبته. كانت نقطة التحول الحقيقية عندما التحق بالمعهد الوطني للموسيقى في لبنان، حيث تلقى تدريبًا أكاديميًا على العود ودرس أصول الموسيقى العربية. في هذا المحيط الجديد، بدأ الفتى الخجول يتحول إلى شاب واثق من نفسه، يمتلك أدوات التعبير عن مكنونات نفسه.
تحدث عياش عن هذه المرحلة قائلاً: "لأول مرة في حياتي شعرت أنني أعيش بحرية، أنني أستطيع أن أكون نفسي دون خوف". هذا التحول النفسي والفني سيكون الأساس لمسيرته اللاحقة، حيث بدأ يطور أسلوبه الخاص الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
الألبومات الأولى: بصمة فنية مميزة
لم تكن انطلاقة عياش الفنية سهلة، لكن إصراره وعزيمته قاداه إلى إصدار أول ألبوماته "أنا عندي حبي" الذي حقق نجاحًا لافتًا. الأهم من النجاح التجاري أن الألبوم حمل بصمة فنية واضحة، حيث مزج عياش بين الكلاسيكية العربية واللمسات العصرية، مع تركيز خاص على كلمات تعبر عن تجاربه الشخصية.
تتابعت بعد ذلك الألبومات الناجحة مثل "بحبك" و"خاېف"، حيث استطاع عياش أن يحول معاناته الطفولية إلى أعمال فنية تلامس قلوب الجمهور. "كل أغنية كانت تحمل جزءًا من قصتي"، كما قال في اللقاء.
التربية الصارمة في الميزان: بين الألم والإنجاز
عند سؤاله عن تقييمه لتربية والده الصارمة بعد كل هذا النجاح، أجاب عياش بتأمل: "اليوم أنظر إلى تلك الأيام بمنظور مختلف. أعرف أن والدي كان يريد الأفضل لي، لكن طريقته كانت قاسېة". وأضاف: "لكنني أعتقد أن تلك التحديات هي ما صنعت مني الشخص الذي أنا عليه اليوم".
هذا الموقف يعكس نضجًا كبيرًا في رؤية عياش لتجربته الحياتية، حيث استطاع أن يتحول من ضحېة للظروف إلى صانع لنجاحه، وأن يحول السلبيات إلى وقود للإبداع.
العبرة والإلهام: دروس من حياة رامي عياش
قصة رامي عياش تقدم دروسًا قيمة لكل من يواجه صعوبات في حياته:
الصعوبات قد تكون هبة مقنعة: ما بدا للطفل الصغير عقبات لا تُحتمل، تحول مع الزمن إلى عوامل بناء وشحذ للموهبة.
الإصرار مفتاح النجاح: لو استسلم عياش لضغوط عائلته، لما كنا نعرفه اليوم كأحد أهم الأصوات الفنية في العالم العربي.
التسامح مع الماضي: القدرة على تجاوز الألم دون نسيانه هي ما يميز الشخصيات الناضجة.
رامي عياش اليوم: فنان ناضج ومؤثر
اليوم، يُعتبر رامي عياش أحد أكثر الفنانين العرب تأثيرًا، ليس فقط بفضل صوته المميز، بل أيضًا بسبب العمق الإنساني في أعماله. مشاركته في "حبر سري" كشفت عن الجانب الإنساني للفنان، وأظهرت كيف يمكن للفن أن يكون وسيلة للتحرر والشفاء.
في ختام اللقاء، عبر عياش عن أمله في أن تكون تجربته مصدر إلهام للشباب الذين يواجهون صعوبات في حياتهم: "أريد أن أقول لهم: اصبروا، ثقوا بأنفسكم، فربما تكون الصعوبات التي تواجهونها اليوم هي بالضبط ما تحتاجونه لتصبحوا الأشخاص العظماء الذين خلقتم لتكونوه".
هكذا، تبقى قصة رامي عياش شهادة حية على أن الظروف الصعبة لا تحدد مصير الإنسان، بل رد فعله تجاهها هو ما يصنع الفارق. ومن خلال "حبر سري"، استطاع أن يقدم هذه الرسالة بمصداقية وعمق، مما أضاف بعدًا جديدًا لتقدير الجمهور لهذا الفنان الاستثنائي.