تقييد الوصول لمنصات التواصل و اعتقال أكرم أوغلو في تركيا

تقييد الوصول لمنصات التواصل و اعتقال أكرم أوغلو في تركيا
في خطوة أثارت جدلا واسعا على الصعيدين السياسي والإعلامي فرضت السلطات التركية تقييدا على الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي بالتزامن مع اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي يعد أحد أبرز وجوه المعارضة في البلاد ومنافسا محتملا للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتأتي هذه الأحداث وسط اټهامات متبادلة بين الحكومة والمعارضة بشأن الدوافع الحقيقية وراء الاعتقال وتقييد الإنترنت وتأثير ذلك على الحريات السياسية والإعلامية في تركيا.
خلفية عن أكرم إمام أوغلو
أكرم إمام أوغلو المعروف إعلاميا لدى البعض باسم أكرم أوغلو هو سياسي تركي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض وقد اكتسب شعبية واسعة بعد فوزه برئاسة بلدية إسطنبول عام 2019 ثم تأكيد فوزه لاحقا في إعادة الانتخابات، شكل فوز إمام أوغلو ضړبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم نظرا لأهمية إسطنبول كأكبر مدينة تركية وعاصمة اقتصادية وثقافية مؤثرة، منذ ذلك الحين ينظر إليه بوصفه منافسا جادا للرئيس أردوغان في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة لا سيما تلك المقررة في عام 2028.
ملابسات الاعتقال
بحسب تقارير إعلامية محلية ودولية داهمت الشرطة منزل إمام أوغلو فجر الأربعاء واعتقلته پتهم تشمل الفساد والرشوة والتلاعب في المناقصات وتزعم منظمة إجرامية ومساعدة منظمة إرهابية، كما اعتقل عدد آخر من المسؤولين والصحفيين ورجال الأعمال في إطار التحقيقات التي وصفتها المعارضة بالمسيسة، وأكدت وسائل إعلام تركية أن اعتقال إمام أوغلو تزامن أيضا مع قرار من جامعة إسطنبول يقضي بإبطال شهادته الجامعية ما قد يحرمه قانونيا من الترشح للرئاسة في المستقبل.
من جهتها نفت الحكومة التركية أن تكون للاعتقالات أي دوافع سياسية وصرح وزير العدل التركي يلماز تونج بأن لا أحد فوق القانون وأن التحقيق لا علاقة له بالرئيس أردوغان مشيرا إلى أن القضاء يعمل باستقلالية تامة في مثل هذه القضايا.
تقييد الوصول إلى منصات التواصل
في أعقاب هذه التطورات أعلنت جهات مختصة بمراقبة الإنترنت مثل منظمة نت بلوكس أن السلطات التركية قيدت الوصول إلى عدد من منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة بينها إكس تويتر سابقا ويوتيوب وإنستغرام وتيك توك إضافة إلى تطبيقات مراسلة مثل واتساب وسيجنال وتليجرام، وقد اشتكى المستخدمون من بطء شديد أو انقطاع شبه كامل في الوصول لتلك المنصات إلا عبر استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة VPN، ويذكر أن مثل هذه القيود ليست المرة الأولى في تركيا إذ سبق أن اتخذت الحكومة إجراءات مماثلة خلال أزمات أو أحداث أمنية كبرى.
ويرى مراقبون أن توقيت تقييد المنصات يتزامن على نحو لافت مع حاډثة الاعتقال ما يعزز المخاۏف من أن هذه الخطوة تستهدف الحد من انتشار الأخبار أو تنظيم التظاهرات عبر الإنترنت لا سيما أن مناصري إمام أوغلو دعوا إلى وقفات احتجاجية أمام مباني حزب الشعب الجمهوري في مختلف المدن التركية.
ردود الفعل السياسية والشعبية
1. المعارضة
وصف قادة حزب الشعب الجمهوري الاعتقال بأنه انقلاب مدني على إرادة الناخبين في إسطنبول ومحاولة لإقصاء إمام أوغلو من المنافسة الرئاسية، كما أكدوا أن الحزب ماض في إجراء انتخاباته التمهيدية لاختيار مرشحه الرئاسي وأن هذه الإجراءات لن تثنيهم عن المضي قدما.
2. الحكومة
نفت الحكومة أي دوافع سياسية خلف الاعتقال مشيرة إلى أن القضية ترتبط بملفات فساد ورشى وأن القضاء ينظر في تهم وصفت بالخطېرة، وأبدى مسؤولون في حزب العدالة والتنمية الحاكم استغرابهم من اتهام المعارضة للحكومة باستهداف إمام أوغلو سياسيا معتبرين أن هذا تهويل من قبل خصوم أردوغان.
3. الشارع التركي
شهدت إسطنبول ومدن أخرى احتجاجات محدودة حيث تجمع بعض أنصار إمام أوغلو أمام مقر البلدية رافعين لافتات منددة بالاعتقال، وقد فرضت السلطات طوقا أمنيا في محيط ساحة تقسيم الشهيرة كما منعت المظاهرات والتجمعات في إسطنبول لمدة أربعة أيام وفقا لقرار رسمي من والي المدينة.
4. المنظمات الحقوقية
وصفت منظمات دولية معنية بحرية التعبير وحقوق الإنسان الخطوات الحكومية الأخيرة بأنها مقلقة خاصة مع تقييد الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي معتبرة أن هذا قد يؤدي إلى خنق أصوات المعارضين في وقت حساس.
تداعيات الحدث على المشهد السياسي
يشير محللون إلى أن اعتقال إمام أوغلو قد يعيد خلط الأوراق في المعارضة التركية إذ كان ينظر إليه بوصفه المرشح الأقوى في مواجهة الرئيس أردوغان خاصة أنه نجح سابقا في هزيمة مرشحي حزب العدالة والتنمية على مستوى بلدية إسطنبول مرتين متتاليتين، وفي حال أدين إمام أوغلو أو فرضت عليه قيود قانونية تمنعه من الترشح فقد تتجه المعارضة إلى البحث عن شخصية بديلة تتمتع بشعبية مماثلة مثل رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش أو غيره من القيادات المعارضة.
في المقابل يعزز هذا الحدث من سلطة الحزب الحاكم على أجهزة الدولة ويرسخ لدى مؤيديه صورة مفادها أن مكافحة الفساد تشمل الجميع من دون استثناء، غير أن منتقدي الحكومة يرون أن الخطوة تعمق الانقسام في المشهد السياسي وتضعف ثقة الناخبين في نزاهة المنافسة الانتخابية قبل سنوات من الاستحقاق الرئاسي القادم.
ختاما يعكس تقييد الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي في تركيا بالتزامن مع اعتقال أكرم إمام أوغلو مستوى التعقيد الذي يشهده المشهد السياسي التركي حاليا، ففي حين تصر السلطات على قانونية التحقيقات ونزاهة القضاء ترى المعارضة أن الأمر استهداف مباشر لأحد أبرز منافسي الرئيس أردوغان ومحاولة لمنعه من الترشح مستقبلا، وبينما يترقب الشارع التركي تطورات القضية تبقى الأسئلة مطروحة حول تأثير هذه الإجراءات على حرية التعبير والحياة السياسية ومدى انعكاسها على مستقبل الديمقراطية في تركيا.